المراقب للأحداث في السودان يلاحظ أن هناك قناعة بدأت تتشكل لدى جميع الأطراف بأهمية الوصول إلى تفاهمات بين القوى السياسية لوقف الحرب.. وقد سبقت ذلك كما هو معلوم مؤتمر الأحزاب السودانية وقيادة المجتمع المدني الذي عقد في القاهرة.. بجانب مؤتمر أديس أبابا للأحزاب السياسية برعاية الإتحاد الافريقي .. هذا بجانب الزيارات المتسارعة والمتلاحقة للوفود العربية الشقيقة.. ووفود دول الجوار الصديقة.. هذا كله جعل من المهم الابتعاد عن خطاب الناشطين في الميديا والإتجاه إلى حوار عقلاني يقدم مصلحة البلاد ويجنبها مخاطر التفكيك المحتمل.. في ظل انسداد الأفق السياسي.. وفي ظل عمليات عسكرية متقدمة بدأت ترسم ملامح حسم التمرد في عدد من الجبهات.
المتابع للأحداث أيضا يلاحظ بوضوح مؤشرات تؤكد أن هناك ثمة مفاوضات سرية تجري في خلف الكواليس وهذه من سمة العمل السياسي المفضي إلى نجاح.. كما يلاحظ أيضا تسارع .. خطوات الحل بعد أن اوشكت الحرب أن تضع أوزارها.. وهذا في تقديري فعل جيد يساهم بصورة كبيرة في تحقيق السلام واستتباب الأمن.
من ناحية أخرى يبدو أن التفاهمات التي تجري على جميع الاصعدة.. قد أقرت إخضاع القوات المتمردة لإرادة القوات المسلحة السودانية من خلال تنفيذ اتفاق جدة بكل تفاصيله المتمثلة في الخروج من الأعيان المدنية وبيوت الناس والتجميع في معسكرات خارج المدن.. كما أن هناك حديث عن بدا اعداد معسكرات في حدودنا مع دولة جنوب السودان لاستيعاب هذه القوات.. وهذا مايمضي نحوه منبر جدة الذي سوف ينتقل الى سويسرا منتصف اغسطس القادم .. والذي ينوي ادماج الترتيبات الأمنية مع السياسية وذلك ربما لضمان حل مستدام يسبقه وقف دائم لإطلاق النار يمهد لعملية التسريح وإعادة الدمج والمضي بصورة متزامنة مع العملية السياسية.. وهذا ربما يريح لحد ما القوى السياسية التي تخشي انفراد العسكريين بالسلطة في حال تقدمت الترتيبات الأمنية على السياسية.
هذا ماكشفت عنه تسريبات تمت تداولها اليوم بصورة سريه بين صناع القرار وأهل الإعلام في إشارة إلى اختبار الرأي العام.. لتمريرها لاحقا إذا وجدت القبول.. باعتبار أن اصل الحرب صراع سياسي انتقل الى عسكري بعد أن استخدمت بعض القوى السياسية بندقية الدعم السريع للاستيلاء على السلطة..وفشلت في ذلك.
أبرز ملامح الوثيقة المسربة.. والتي تم الاعتناء فيها بنظام الحكم والتي تعبر عن اليوم التالي.. في جانب راس الدولة يتم تعين سبعة أعضاء للسيادي من العسكريين والمدنيين..؛ و في التشريعي يتم اعتماد مشاركة جميع الأحزاب والإدارة الأهلية والشباب والمرأة ورجال الدين وحركات سلام جوبا..؛ يضم المجلس تشريعي ثلاثة مائة عضو. ؛.. أما الحوار السوداني السوداني الذي لايستثني أحد من الأحزاب وتجري فعالياته بالداخل..؛ يختار لجنة من خمسة عشر عضوا من القوى المشاركة ضمن فعالياته..؛ لترشيح أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي..؛ اما في جانب الفترة الانتقالية اقترحت الوثيقة فترة انتقالية ثلاثة أعوام..؛ تحكم وفقا الوثيقة الدستورية الصادرة 2019م بعد أن تجري عليها بعض التعديلات..؛ في جانب الحكومة تحدثت الوثيقة عن حكومة وحدة وطنية كفاءات وطنية من سياسيين غير حزبيين..؛ وتركت امر ترشيح رئيس الوزراء الي لجنة وطنية قومية مكونة من إحدى عشر شخص مشهود لهم بالنزاهة و الكفاءة..؛ تختار ثلاثة اشخاص يرشحهم الحوار السوداني السوداني لرائاسة الحكومة..؛ يتم تقديمهم لمجلس السيادة يختار منهم الشخص المناسب..؛ كما اقترحت الوثيقة ست مستويات للحكم..؛ السيادي..؛ الوزراء..؛ السلطة القضائية..؛ المحكمةالدستورية. التشريعي..؛ النيابة العامة.
في تقديري هذا المقترح جيد اذا أفلح في تجاوز شيطان التفاصيل..؛ كذلك من المهم أن تكون هناك إشارة واضحة لجبر الضرر وتعويض المواطنين..؛ وهذا بالضرورة أن يأتي الحديث عنه كجزء من اي إلتزام و اتفاق محتمل بين الجيش والوسطاء والاقليميين الدوليين.
كذلك من المهم الإشارة إلى إعادة الأعمار التي يجب أن تسمي الأطراف التي تلتزم بها.. حتي تعود حياة السودانيين الي طبيعتها بالسرعة المطلوبة.. خلاف ذلك سوف يجد هذا الإتفاق المسرب صعوبات بالغة للقبول به و ربما يضع الجيش في تحدي كبير أمام شعبه الذي ظل يقدم له السند والدعم خلال العام ونصف العام في حرب نالت من كرامته وأهدرت موارده بل أعادته إلى القرون الوسطى.. كذلك يجب الإشارة بوضوح إلى أمر التسريح وإعادة الدمج للقوات المتمردة وفقا لقانون القوات المسلحة السودانية.. والقضاء تماما على مسألة تعدد الجيوش.. وقفل الباب امام اي احتمال للعودة إلى ماقبل 15 أبريل..؛ إذا حدث كل ذلك فهذا تعد مؤشرات جيدة لنهاية الحرب في السودان..؛ بذات القدر إذا تكشف للناس أن ما تم تسريبه صحيح وأن الأمر يمضي على هذا النحو دون التزامات دولية واقليمية ممن ساهموا في إشعال الحرب.. فإن ذلك ربما جعل من الصعب اقناع الشعب السوداني بالسلام .. والمضي نحو نهاية الحرب.
دمتم بخير وعافية .
Shglawi55@gmail.com