هذا الذي جري في الفاشر في ٢٧ اكتوبر الجاري  مليء بالدروس والعبر بعد نحو عامين من الحصار والمعاناة الإنسانية والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الجنائي والإنساني، والصمود التاريخي لابطالها في سياق المشروع الخارجي لتقسيم البلاد. لم يعد الكلام عن مأساةٍ مروّعة في السودان تَسقط ورائها أرواحًا بريئة وبيوتًا ومجتمعات مجرد وصفٍ عابر؛ صار واقعًا يفرض على كل ضميرٍ إنساني وسياسي أن يختار موقفًا واضحًا. وفي الأيام الأخيرة، كشف الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الأزمة السودانية عن انتقائية راسخة، وعجز واضح في أدوات الضبط الدولي: بينما يتصاعد العنف في دارفور والفاشر، ويُلاحَظ استخدام طائرات مسيّرة حديثة وعتادٍ متقدّم ضد المدنيين، اكتفى بعض الفاعلين الدوليين بعبارات الاستنكار والبيانات الصحفية الخفيفة التي لا تُترجم إلى حماية فعلية أو إجراءات رادعة. لتنتهي جلسة مجلس الامن الي بيان صحفي يعكس قمة الضعف و العجز الدولي لجهة الميثاق والأخلاق والإنسانية.
التمرد: مسؤولية مباشرة عن الكارثة
لا يحتمل الواقع الوطنيَ الماثل  أي تهاون في توصيف ما يحدث على الأرض: قوات مليشيا مسلّحة،متمردة وخارجة عن القانون — بقيادةٍ لا تعترف بشرعية الدولة أو حدودها — ارتكبت جرائمٍ موثقة تشمل القتل المنهجي،  والتطهير العرقي والحصار، والنهب، والاغتصاب، وتجريد المدنيين من حقوقهم الأساسية والعنف الجنسي والجنساني . هذه ليست رواية سياسية فحسب، بل خلاصة تقارير منظمات الأمم المتحدة والحقوق الدولية وكبريات الصحف الغارديان في بريطانيا وول استريت جورنال وواشنطون بوست  في أمريكا وتقرير جامعة ييل الأميريكية عبر الأقمار الاصطناعية، التي رصدت نمطًا منهجيًا في الانتهاكات والفظائع . إن مسؤولية هذه القوى عن الكارثة الإنسانية لا تُمحَى بالتبريرات السياسية أو بذرائع الأمناء تعطيل القرارات الدولية التي صدرت ٢٦٣٧ في يونيو  ٢٠٢٤.
دور الأطراف الخارجية: لا فصل بين الساحة والسلاح
ما يفاقم المعاناة ويزيد الطين بلة أن الحرب او العدوان المفتوح على السودان لم يَعد صراعًا داخليًا محضًا؛ إذ تحولت البلاد إلى ميدانٍ لتقاطع مصالح إقليمية ودولية. تقارير وتحقيقات متعددة تشير إلى وصول إمدادات عسكرية متقدمة  وبعضها ما يزال حبيس بموانئ اوربية تحديدا إسبانيا — بما في ذلك محركات وآليات ومكونات طائرات مسيّرة  ورادارات — إلى أيدي الفاعلين غير الدوليين عبر شبكات لوجستية إقليمية. دولٌ مثل الإمارات تواجه اتهامات متزايدة بوجود قنوات دعم عسكري ولوجستي، كما تُثار اسئلة حول مسؤولية مزوّدين أوروبيين لتسريباتٍ أو تصديراتٍ انتهت في النهاية في مناطق التسليح. على ضوء هذه المعطيات، فإن الحديث عن “حلٍّ سوداني” لا يمكن أن يُفهم بمعزل عن قطع سبل الدعم الخارجي التي تُغذي الحرب، لعدم حيادية هذه الأطراف ونزاهتها وتقاطع مصالحها ووقوفها بطريق أو آخر الي جانب التمرد بشقيه العسكري (الدعم السريع)والسياسي (تاسيس و صمود) في مساندة كشفها الهجوم او غزو  الفاشر بالمسيرات ودخول المرتزقة من بعد ذلك . والذي انطلق من ثلاثة دول افريقية عليها في آن واحد ومن بين مقذوفاته غاز الأعصاب المحرم دوليا . وهنا تكمن فجيعة الفاشر التي وقعت ضحية لهذا المكر الاقليمي المحرك دوليا ، وكشفته مخرجات البيان الصحفي لجلسة مجلس الامن امس الخميس ، والتي كانت دون الطموح وحجم  الكارثة الإنسانية باجماع الكلمات التي تليت على منضدته، لكنها دون مخرج يتسق والمصاب الأليم .
لماذا الحل بملكية سودانية كاملة هو الخيار الوحيد القابل للاستدامة؟
	1.	الشرعية الوطنية وحدها تمنح الحل مقبولية: أي عملية سياسية تتجاوز محددات القيادة السودانية، تُفرض من خارج البلاد أو أي عاصمة ستفتقر لشرعية مجتمعية وستعيد إنتاج النزاع لاحقًا. الحلُّ يجب أن يُصاغ ويُملَك من قبل السودانيين أنفسهم ، ممثلين في مؤسسات مدنية، وجيشٍ وطني خاضع للشرعية، وقوى مجتمعية محلية ظلت تناصر الجيش منذ انطلاقة هذا العدوان المفتوح في صبيحة ١٥ أبريل ٢٠٢٣.
	2.	تفكيك بنى التمرد وإخضاع السلاح للدولة: لا يمكن نزع فتيل الكارثة ما لم يُعالج ملف انتشار السلاح خارج إطار الدولة، ويُعاد تأهيل المقاتلين عبر برامج اندماج وجبر ضرر واستئصال اقتصاد الحرب. وكف يد الدول الداعمة والراعية للتمرد بالسلاح والعتاد
	3.	عدالة انتقالية حقيقية: وطنية واقليمية، تُصدر المحاسبة الجنائية والسياسات الإصلاحية رسالة واضحة أن الإفلات من العقاب لن يُقبل، وأن استعادة الثقة في مؤسسات الدولة تتطلب عدالة فعلية ومصالحة حكيمة.
	4.	خطة إنعاش وطنية: السلام يحتاج إلى موارد وخطط تنموية عاجلة تُعيد تشغيل الاقتصاد المحلي، وتُؤمّن الغذاء والخدمات للمجتمعات المتأثرة، وتمنع فراغ السلطة الذي تستغله الميليشيات، او حملة اضعاف مؤسسات الدولة وسلطانها.
خطاب واضح ومحدد إلى المجتمع الدولي
لقد طالب السودان المجتمع الدولي بأن يكون شريكًا في التخفيف عن المدنيين لا شريكًا في استمرار الحرب. هذا يعني: وقفًا فورياً لكل أشكال الدعم اللامشروط للأطراف المتمردة، ضغطًا على القنوات والوسطاء الذين يسهِمون في تسليح الميليشيات، وتقديم مساعدات إنسانية محمية وضمان سلامة عمل المنظمات الإغاثية. دعم الدولة السودانية في استعادة سيادتها ليس تدخلاً، بل حفاظ على النظام الدولي الذي لا يقبل تحويل دولٍ كاملة إلى ساحات نفوذ خارجية.
الخاتمة: موقف الخرطوم الحاسم
أمام هذا الواقع، كان الموقف السوداني واضحًا وصريحًا: ترفض الخرطوم الجلوس إلى التمرد أو منحه أي شرعية، لأن ذلك يعني غسلًا لجرائمٍ ترتكب يوميًّا ضد المدنيين وشرعنة لعنفٍ يُهدد وحدة البلاد، وهدر للمطالبة بالتعويض فيما فقد من ممتلكات . في كلمتها الرسمية قالت الخرطوم إن هناك أطرافًا خارجية تمدّ التمرد بالسلاح والعتاد والطائرات المسيّرة وسمت بعضها، وأشارت صراحة إلى دورٍ  للإمارات وبعض الجهات الأوروبية في هذه الشبكات اللوجستية — وأنها تمتلك أدلةً موثّقة على ذلك. وأضافت الحكومة أن هذه الأدلة سيتولاها القضاء الوطني والدولي، وستُفصح عنها للعلن في الوقت المناسب لدعم المسارات القانونية والدبلوماسية ضد من يموّلون الحرب ويعرّضون المدنيين للخطر وامن البلاد واستقرارها للانقسام والتفكيك.
إن هذه الكلمات ليست تهديدًا بل إعلانُ مسؤولية: من يساهم في إبقاء السلاح في الشوارع وفي تغذية ماكينة التدمير، سيواجه مساءلة سياسية وقانونية، ومن لا يريد السلام عليه أن يتحمل تبعات موقفه أمام التاريخ والقانون. والحلّ الحقيقي يبدأ عندما يعود السودانيون إلى صنع تاريخهم بملكية وطنية كاملة، بعيدًا عن مشروعات الاجنبي ووصايات المصالح الخارجية ووعودها الزائفة. عبر مشروعهم الوطني لاسترداد الفاشر وكل مدن دارفور وكردفان بارادة وطنية جامعة.. ليس فيها عصبية ولا عرقية ولا مناطقية او جهوية..هبة قومية لاجل الوطن تحت إمرة وقيادة القوات المسلحة في صف متراص وعقيدة وطنية ، شعارها دارفور والفاشر احدي بوابات البلاد وسياجها المنيع، تحصنها عزيمة اهل السودان في ملحمة تضع مفرزة البلاد لكل عميل وخائن ومأجور مكانه في سياقه الصحيح..وتسرّج رايات النصر والكرامة والعزة، رغم الماسأة والكارثة التي  خيمت على المشهد، وكل أسباب النصر ربطها الحق بذاته العلية وسلطانه الأوحد، ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .
————-
مطلع نوفمبر ٢٠٢٥م
السفير.د.معاوية التوم يكتب السودان بين رفض الوصايا الدولية وضرورة الحل الوطني بملكية سودانية كاملة!؟
 
			
 
								 
			 
			