تقرير – سارة إبراهيم
ضاعفت الحرب الدائرة بالبلاد معاناة العمال السودانيين، وتسببت في حدوث اضطرابات اقتصادية واسعة للبنية التحتية والانتاجية، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتدهور المناخ الاقتصادي، تؤدي هذه الظروف إلى تفاقم الفقر والضغوط الاجتماعية على الأفراد، فيما أدت الحرب إلى تقليص فرص العمل المتاحة وتحسين شروط العمل، وزيادة الضغوط على القطاعات الاقتصادية الأكثر هشاشة، مما يعطل التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
يقول المحلل الاقتصادي عاصم إسماعيل، إن نصف السودانيين اصبحوا عاطلين عن العمل بسبب الحرب والنزوح واللجوء بالإضافة إلى توقف سوق العمل نتيجة لتدمير كافة المنشآت من مصانع واسواق ومناطق صناعية وتجارة التي توقفت بسبب الحرب وتهجير المواطنيين، لافتا خلال حديثه ل”أخبار السودان” بأنه لا توجد أرقام حقيقية ولكن الأمم المتحدة قدرت بأنه وبنهاية العام الجاري ستصل نسبه العاطلين عن العمل 49% من سكان السودان الذي يتجاوز عددهم حاجز ال(45) مليون. إذا تأثير ذلك بالطبع على الداخل السوداني والانتاح وتتاثر بذلك غالب الأسر التي لا زالت متواجدة في مناطق النزاع والمقدرة وفقا إحصاءات دولية بحوالي (16) مليون شخص لا زالوا محاصرين في مناطق النزاع وهذا يسوق فرضية تعرضهم الأزمات اقتصادية واجتماعية وتفاقم الأمراض وسوء التغذية وقلة الدخول لديهم لانقطاع الخدمات الأساسية والاتصالات وندرة السيولة لذات الأسباب بعد فشل الموسم الزراعي في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الدعم السريع في دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم.
نفق مظلم
وفي ذات السياق يتوقع عاصم، هذا التأثير مرشح في الزيادة اذا استمرت الحرب حتى نهاية العام ودخولها عامها الثالث فالتاثيرات سوف تتفاقم وتزداد البطالة وتدخل البلاد في نفق مظلم، تمتد تاثيراته حتى على السودانيين في الخارج الذين يعتمدون بنسب مختلفة على ذويهم العاملين في المناطق الآمنة في السودان وعلى آخرين في بلاد أخرى.
إمكانية التشغيل
وفي ذات السياق يجد المحلل الاقتصادي وائل فهمي، سوق العمل بأنه المجال، المحلي والقومي والأجنبي، الذي تتوافر فيه عروض فرص العمل المتاحة من قبل مختلف مؤسسات الدولة، بالقطاع العام والخاص والمختلط، شاملا فرص أو امكانية التشغيل الذاتي أو الأسري، وفق الشروط والمواصفات الخاصة بكل منها، للراغبين في، والقادرين على العمل ممن يطلبون الحصول عليها بعرض خصائص قوة عملهم المتمثلة في المعرفة والخبرة والعمر وحوافز العائد المادي والمعنوي، من قبل كل مؤسسة انتاجية على حده.
ربع السكان
ويضيف فهمي، خلال حديثه ل”أخبار السودان” تشير تقديرات مؤسسة استاتيسا الدولية إلى مواصفات سوق العمل السودانية في عام 2024م، بأن حجم قوة العمل بالسودان, من عدد السكان البالغ ٤٩،٤ مليون نسمة، قد قدرت بحوالي ١٤،٢ مليون، اي بنسبة ٢٨،٧%، اي اكثر من ربع السكان بقليل تقريبا، وبنسبة مشاركة بلغت ٤٩،٣% سنويا، وبمتوسط انتاجية ١،٧ دولار، وبالاضافة إلى ذلك، فان حجم البطالة من نفس العام قد تجاوزت ٤٩،٥٤%، اي حوالي النصف تقريبا، وان كان، في تقديراتنا، اكثر من ذلك بكثير في ظل استمرار الحرب وما يصاحبها من استمرار للتدمير والنزوح من مواقع العمل القائمة، خاصة تحت سيطرة ميليشيا الدعم السريع، بالاستناد الى تزايد مؤشر الاعتماد على المساعدات الانسانية التحويلات النقدية من الخارج.
وعادة ما يتم الاستناد في عمل التقديرات الى كارثة تنامي حدة الندرة في انتاج وعرض السلع والخدمات، نتيجة لتواصل الانكماش بقواعد الإنتاج الوطنية بسبب الحرب، كعامل رئيسي له حاليا، وانعكاس ذلك الانكماش الكلي في مؤشرات انهيار إيرادات المالية العامة (٨٠%) والصادرات (اكثر من ٦٠%) والواردات (؟) وفي مواحهة تفاقم المصروفات العامة (؟)، لاغراض استمرار تمويل المجهود الحربي، يمكن أن يؤدي ذلك، مع استمرار الحرب، ومن غير شمول القطاع الغير رسمي، لأرقام اكثر تتجاوز ما ذكر من أرقام خاصة بالبطالة الحادثة على أرض الواقع.
يقدر ب 5 مليون
وكان أن قام مراكز المشروعات الدولية الخاصة، قدر إن ٥ مليون سوداني قد فقدوا وظائفهم بنهاية عام ٢٠٢٣، بالتركيز على القطاع الخاص، حيث كانت معظمها بولاية الخرطوم فقط.
مستوى كارثي
وفي سياق متصل يوضح وائل قائلا، لكن بعد اقتراب اكتمال الحرب لسنتها الثانية، وانتشارها في معظم ولايات الوسط وغرب السودان، وعمليات حصار التجارة وغلق الاسواق وهروب المزارعين والموظفين كنازيحين من مناطق سيطرة ميليشيا الدعم السريع حاليا، فتكون قد تجاوزها الواقع المتدهور وما ترتب علي الاقتصاد السوداني من استمرار انكماش وركود قطاعات الاقتصاد السوداني المختلفة، فانها تشير بوضوح إلى استمرار فقدان فرص العمل التي كانت متاحة بالاقتصاد السوداني والتي تقدر حاليا بأكثر من ٨ – ٩ مليون وظيفة، شاملة القطاع الغير رسمي، أي حوالي ٦٠ – ٦٥% وظيفة عمل مفقودة، وذلك على أسوء التقديرات. ورغم ذلك، فان هذه النسبة تعتبر كارثية بمستويات معدلات البطالة السابقة بالسودان، حيث كان اسوئها على الاطلاق تقديرات البنك الدولي، ب ٤٦،٧% في ٢٠٢١، ناهيك عن ما قبلها. كما إنها الاسوأ على الاطلاق، تاريخيا وإنسانيا، بل ومخجل للغاية سياسيا، بمعايير المستوى الإقليمي والقاري والعالمي.
استمرار المآساة
ومن المتوقع، ان تستمر ماساة ارتفاع حالة فقدان فرص العمل بالداخل، وبالتالي استمرار الارتفاع في نسبة البطالة مع استمرار الحرب وتوسع دائرتها وما يصاحبها من استمرار في تدمير الأصول الانتاجية والخدمية والتجارية والتمويلية واستمرار هروب رؤوس الأموال والقوة العاملة الوطنية والأجنبية، شاملة القطاع الغير رسمي، مع الأخذ في الاعتبار التاثير السلبي لمضاعفات فقدان تلك الوظائف وفرص العمل في اضعاف الدخول للانشطة الاقتصادية، وبالتالي فرص العمل المنتجة باسواق العمل، ببقية الولايات بالداخل.
وفي هذا الصدد، يجب أن نلفت النظر إلى أن جميع هذه التقديرات قد تحمل في طياتها قدرا من المبالغة او الضآلة، وذلك إلى حين الوصول للأرقام الرسمية الحقيقية.
توقعات بارتفاع
في ذات السياق تصف المحلل الاقتصادي رحاب عبدالله، الراهن لسوق العمل وتقول،
إن الشاهد لتوقع صندوق النقد الدولي بأن يصل معدل البطالة في السودان إلى 47% بنهاية العام 2024.
و كما أوضح صندوق النقد الدولي دخول ثلاث دول عربية ضمن قائمة الدول الأعلى بمعدلات البطالة، من بينها السودان.
وترى خلال حديثها ل”أخبار السودان” الشاهد أن معدلات البطالة في السودان تأثرت بسبب الحرب بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية التي اندلعت منتصف ابريل العام الماضي 2023.
تسريح العاملين
وتضيف رحاب ولعل تاريخ البطالة في السودان ليس بجديد إذ أن التقرير السنوي لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لعام 2021، أوضح أن 42% من السودانيين هم من فئة الشباب، بينهم 85% عاطلون من العمل، مع اقرارنا بأنها زادت بسبب الحرب وفقدان البعض لوظائفهم واعمالهم فضلا عن هروب أصحاب أعمال لخارج السودان، مع الاشارة إلى عدم وجود احصاءات دقيقة عن نسبة البطالة.
ويشهد سوق العمل في السودان وضع غريب جدا بسبب الحرب لجهة ان اغلب المؤسسات استغنت عن معظم العاملين، بل إن مؤسسات القطاع الخاص أوقفت رواتب ومخصصات العاملين مع منحهم إجازات مفتوحة، وبررت المؤسسات عمليات الاستغناء إلى الخسائر التي تكبدتها وعدم قدرتها على تسيير العمل وتحمل تكلفة رواتب الموظفين والعمال.
وفشل كثيرون في الحصول على وظيفة بالولايات الآمنة، وانطبق الأمر على العمال أيضا أصحاب المهن بعد فشلهم في الحصول على فرصة عمل أو أدوات تعيينه على الشروع في مهنته.
مجالات هامشية
ولكن نسبة إلى الظروف الاقتصادية الضاغطة اضطر كثيرون ومن بينهم حملة درجات علمية كبيرة إلى العمل في مجالات هامشية منها بيع العصير والرصيد لشركات الاتصالات أو بيع الخضروات والخبز ليحصلون على هامش ربح ضعيف جدا لكنه يقيهم شر مد يد العون من اخرين مع الإشارة إلى أن معظم العاطلين بعد الحرب يعتمدون على تحويلات مالية من أقاربهم خارج السودان، وفضل آخرين الخروج إلى دول جارة للحصول على عمل.
ويبقى الأمل
و تختم المحلل الاقتصادي رحاب، وتقول يبقى أنه كل الأمل الآن معقودا على أن تتوقف الحرب وتضع الحكومة خطة استراتيجية جديدة لاستئناف سوق العمل وعودة المؤسسات والمصانع والمطار والمستشفيات والمدارس والجامعات و…..الخ إلى العمل.
