سمية سيد تكتب مفاوضات الصمت .. صراع الروايات بين بورتسودان وواشنطن

هل هي مباحثات ثنائية بين الحكومتين الامريكية والسودانية بحسب ما هو منشور حول زيارة وزير الخارجية السفير محي الدين سالم ، ام لقاءات سرية غير مباشرة بين قيادات في الجيش السوداني وقيادات عسكرية لمليشيا الدعم السريع ؟
فصول جديدة ومثيرة للجدل في واشنطن تتكشف هذه الايام حول الحرب في السودان .

فبينما تتحدث الأوساط الإعلامية الدولية عن اجتماعات منفصلة غير مباشرة تقودها الادارة الأمريكية لتوحيد جهود الرباعية الدولية لفرض رؤية موحدة للسلام عبر ادوات ضغط واستخدام النفوذ الدبلوماسي لفرض الالتزام بخارطة الطريق المعلنة . يشكل النفي القاطع الذي صدر عن مجلس السيادة السوداني، مساء الخميس، بوجود أي مفاوضات مع مليشيا الدعم السريع في واشنطن المحور الأبرز للجدل الحالي.

ففي الوقت الذي شدد فيه مجلس السيادة على أن ما يتم تداوله “عارٍ تمامًا من الصحة” وأن موقف الدولة ثابت بالتمسك بـ”الحل الوطني”، تؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة لوسائل إعلام دولية وإقليمية أن اجتماعات تمهيدية غير مباشرة قد بدأت بالفعل بين ممثلين عسكريين من الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع ، بل ذهبت ابعد من ذلك بتسمية الفريق الصادق إسماعيل مبعوث رئيس مجلس السيادة الخاص ومدير مكتبه السابق رئيسا لوفد التفاوض باسم القوات المسلحة .

هذا التضارب ليس مجرد خلاف حول المعلومات، بل يعكس صراعاً عميقاً حول شرعية المفاوضات ومكانتها.
البعض يرى ان دوافع النفي الرسمي للجيش
ينبع من الإصرار السوداني الرسمي على نفي المفاوضات الثنائية مع مليشيا الدعم السريع في واشنطن من حسابات سياسية وعسكرية دقيقة على راسها نزع الشرعية اذ يعتبر الجيش السوداني وقواته الرسمية أن أي تفاوض مباشر مع “المتمردين” يمثل اعترافاً ضمنياً بمنزلتهم كـ “طرف ند” على الساحة الدولية. النفي هو محاولة متواصلة لإبقاء الدعم السريع في خانة “المليشيا المتمردة” التي لا تُفاوض في عواصم كبرى.
كذلك التمسك بالحل الوطني اذ يرى الجيش أن أي تسوية نهائية يجب أن تتم عبر “الحل الوطني” الذي يحفظ سيادة ووحدة البلاد، ويفضّل العودة إلى مسارات أقل التزاماً بالضغوط الخارجية، أو على الأقل، تمرير أي تسوية عبر إطار وطني
استرضاء الرأي العام نظرا لان قطاعات واسعة من الرأي العام السوداني ترفض فكرة التفاوض مع مليشيا الدعم السريع، لا سيما بعد تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وما ارتكبته من فظائع مما جعل القاعدة الشعبية المؤيدة للجيش ترفض فكرة الجلوس مع هذه المليشيا في طاولة مفاوضات واحدة مهما كانت الضغوط او المغريات .

تلك الأسباب قادت واشنطن لفرض واقع اللقاءات غير المباشرة للدفع بعجلة السلام من خلال اجتماعات غير مباشرة بحيث تُدار هذه اللقاءات، وفق الأنباء المتداولة عبر الوساطة المنفصلة واللقاءات بين مبعوثين أمريكيين (وبمشاركة دول الرباعية) وبين ممثلي الجيش من جهة، وممثلي مليشيا الدعم السريع من جهة أخرى. بهدف تجميع نقاط التوافق حول الآليات العسكرية لوقف القتال، وليس مناقشة تقاسم السلطة السياسية. إضافة إلى تفويض محدود اذ يُعتقد أن الوفود العسكرية تحمل تفويضاً محدوداً من قيادتي الجيش ومليشيا الدعم السريع يركز بشكل أساسي على القضايا الإنسانية واللوجستية، تمهيداً لاجتماع الرباعية الأوسع الذي سيحدد خطوات الأجندة الأمريكية المتمثلة في تثبيت هدنة طويلة الأمد للسماح بوصول المساعدات ووضع أسس لوقف دائم لإطلاق النار، بناءً على “خارطة طريق” الرباعية التي طرحت في سبتمبر الماضي.

الهدف الأبرز للتحرك الأمريكي الان هو الحصول على تعهدات عسكرية ولو جزئية قبل الاجتماع الرسمي للرباعية .. هذا التوقيت ليس اعتباطا فواشنطن تسعى لتقديم إنجاز ملموس للشركاء الإقليميين ، يتمثل في ورقة عمل موحدة يتم من خلالها ضغوط محددة تتجاوز الجمود التي خلفتها المفاوضات المباشرة كما جرت في جدة

الخلاف الأعمق والذي يعرقل اي تقدم جوهري يتمحور حول مستقبل او وجود قوات مليشيا الدعم السريع .. . موقف الجيش في هذه النقطة واضح بان اي مباحثات خاصة بالشأن السوداني يجب ان تحتوي على تفكيك مليشيا الدعم السريع بالكامل ، ولا يوجد خيار للتعايش مع قوة عسكرية موازية تحت اي ظروف . ناهيك عن تفاوض يعيدها كشريك في السلطة او يضمن لها نفوذا سياسيا وعسكريا مستقبلا.بجانب الشرط المعلن بإبعاد الامارات من الرباعية باعتبارها دولة عدوان برغم من انها من الشروط التي يمكن ان يتم تفاوض حولها.

على الرغم من الثقل الدبلوماسي الأمريكي فان المباحثات التمهيدية ( ان وجدت) تواجه تحديات بنوية عميقة ومأزقا تفاوضيا كبيرا يتمثل في استمرار حصار الفاشر والأوضاع الانسانية الكارثية للسكان من تجويع وتهجير وموت والتي تمثل الان جدارا عازلا امام اي مفاوضات لانهاء الحرب في السودان.

السيناريو المحتمل من واقع الحال إذا فشلت واشنطن الحصول على تعهدات حقيقية فمن المتوقع ان تستمر مليشيا الدعم السريع في استهداف المدنيين بينما تتجه القوات المسلحة للتمسك بالحل الوطني بمعزل عن المسارات الخارجية.