وجه الحقيقة – إبراهيم شقلاوي – أسرار صاحبت إفشال الإنقلاب .

السودانيون لمن لايعرفهم مغرمون بالجديد، يبحثون في جميع الأوقات عن الدهشة وعن مايغير المزاج دون اكتراث، يترصدون الأحداث و الأخبار والأسرار ويجيدون ابتداع المصطلحات بوعي عجيب.. فهذه الأيام نحن بين المنطقة إكس والعدة الجديدة التي وصلت، جميع ذلك تدعمه فكرة (بل بس) و (دبل ليهو) و (أمن ياجن)، سوف نشرح ذلك لاحقآ إذا أتسع المجال ، تلك هي المصطلحات المحلية المبتدعة جراء تأثر الناس بالحرب وأوجاعها وهي في مجملها تدعوا إلى الإستمرار في الحرب حتى الانتصار ، عموما في هذا المقال دعوني أحدثكم عن بعض المخبؤ والمضنون به لغير أهله كما يقول أهل الفقه ، دعونا نستعرض في عجالة أسرار ماحدث في جانب تدابير الشأن المدني وإدارة الدولة بعد اليوم الأول لحرب السودان التي اشتعلت في منتصف أبريل من العام الماضي بعد فشل إنقلاب قوات الدعم السريع المتمردة المدعومة ببعض القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لترتيب السودان وفقا لمصالحها مع بعض الانتهازيون من الأحزاب السياسية المحلية، ذلك الإنقلاب الذي لم يكن يعتمد خطة بديلة (ب) لأن الذين طوروا خياراتهم كما قالوا كانوا ضامنين نجاحه خلال ساعات وفقا لحساباتهم السياسية والعسكرية.. دون الأخذ في الإعتبار بالمشيئة الربانية فهم أصحاب قلوب عمياء وبصيرة محدودة لا تحسن التأدب مع الله كما يقول أحد الصالحين، لكن دعونا نعود إلى أمر أهمية إنقاذ الدولة من الانهيار بعد أن كانوا يخططون لأبتلاعها بما فيها ومن فيها ، ذلك ماحدثني عنه صديقي القريب من الأحداث و الأسرار، قال إن ال 72 ساعة التي أعقبت إندلاع الحرب في السودان كانت بالنسبة لهم حاسمة وخطرة بحسابات أهمية المحافظة على الدولة واحتواء شعور الشعب السوداني بانهيار نظام الحكم وغياب السلطة التنفيذية والسياسية.. وقد وضعوا في الإعتبار أن خطة الحرب من المحتمل أن يتم تطويرها ميدانيا حسب اتجاهات الأحداث، لذلك بعد فشل الانقلاب كانوا واثقين أن الأحداث سوف تمضي نحو سيناريوهات مفتوحة لدى القوات المتمردة على جميع الاحتمالات، قد تبدأ بتصاعد الانتهاكات ثم العمل على إشاعة الفوضى و إنفلات الأمن وانهيار النظام الإجتماعي والقيم ، الذي يعني الحرب الأهلية.. لذلك كانت أيام صعبة للغاية عليهم وعلى السودانيين قاطبة، أجتهدت حينها قيادة الدولة في المسارعة في تثبيت الشعور لدي المواطنين بوجود السلطة والأمن الإجتماعي والخدمات المرتبطة بمعاش الناس، لذلك أوكل الأمر للفريق مهندس إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للجيش الذي كان بمثابة المسؤول عن القيادة التنفيذية للحكومة وكان التحدي حول كيف يتم إخلاءه بجانب عدد من الوزراء من مكان تواجدهم الغير أمن في وسط الخرطوم وسط الاشتباكات المتصلة بالذخيرة الحية بين قوات الجيش والقوات المتمردة، إلى ولاية الجزيرة كمرحلة أولى لإدارة البلاد من هناك ، وهو مايعني الإسراع في مخاطبة المواطنين والعالم الخارجي في ظل نزوح ولجوء بدأ من بعض الولايات، و محيط إقليمي ودولي جله داعم للتمرد حيث كشفت الأحداث عن ذلك بوضوح .. هنا بدأت أولى المهام الوطنية البطولية المحفوفة بالمخاطر والتحديات، أسند الأمر لمجموعة منتقاه من قوات المهام الخاصة في الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.. بدأت جميع الأجهزة تعمل بكفاءة عالية لأجل إنجاز عملية الإخلاء التي كانت من أهم شروطها السريه و السرعة ودقة التنفيذ ، كانت عملية (عشمك ياوطن) معقدة وذات خطورة عالية، إنتقل الاتصال والتنسيق حينها بين الجميع للشبكات البديلة عالية التأمين و خطة الطواري التي تعرفها الدول في مثل هذه الظروف، كانت قيادة الجيش داخل القيادة العامة مركز التحكم والسيطرة تتابع عن كثب سير العملية.. بدأت العملية ليلا بعد اليوم الأول الذي تم فيه تحييد قدرات التمرد من خلال ضرب مراكز التحكم والسيطرة وشبكة الاتصال الحر التي كان يمتلكها والتي تم تزويده بها عبر دولة إقليمية .. لعل الناس يذكرون اطلالة قائد التمرد محمد حمدان حميدتي في الساعات الأولى للانقلاب في ثقة مصطنعة حين أكد لعدد من الفضائيات سيطرتهم علي 90٪ من البلد وخلال ساعات ستكتمل الي 100٪ و أن البرهان محاصر أمامه خيارين إما أن يستسلم أو يموت.. كذلك يذكر الناس عبارة ذلك الفتى الغرير الذي يتبع للقوات المتمردة والذي ظهر ضمن مقطع مصور بحماس عجيب عند بزوغ فجر ذلك اليوم الدامي (استلمنا السودان لا رجوع)..كل ذلك كان يجري بتعجل ورجفة كمن يسرق شي فوق تصوره.. بينما يمضي في مكان آخر ترتيب دقيق ومحكم عبر تلك القوات الخاصة التي وطنت نفسها على الفداء لأجل السودان في جميع الأوقات، في فجر اليوم الثالث على الحرب رفع قائد العملية تمام الانتهاء من العملية واكتمال كافة الترتيبات المتعلقة بالإخلاء دون خسائر لرجال الحكومة الذين كانوا ضمن دائرة الخطر عبر عمليات وصفها محدثي بأنها صعبة ومعقدة جدا ظهرت خلالها القدرات الفائقة للجيش والأجهزة الأمنية في تأمين و حماية وإخلاء قيادات الحكومة، التي كانت تمثل الجهاز التنفيذي بكل مهامه المرتبطة بالعمل الداخلي والخارجي، كان القرار الإنتقال لولاية الجزيرة كمرحلة أولى لالتقاط الأنفاس وترتيب الأمور الطارئة المرتبطة بالمواطن والمعاش والخدمات والأمن والعالم الخارجي لشرح مايدور في البلد مع تأمين خروج آمن أو إنتقال للبعثات الدبلوماسية للعاصمة البديلة، وفقا لذلك بدأت تعمل آلة حاذقة من الكفاءات الوطنية، مثلت فريق العمل المتجانس الأول في التأسيس للمرحلة الجديدة للعمل التتفيذي .. من جميع الأجهزة العسكرية والأمنية والمدنيين اجتمعوا علي الواجب المهني والأخلاقي وحب السودان ، الذي لايرضون له أن يضام لحظة المحنة و الابتلاء .. كان لا بد من ظهور واضح لكافة القيادات التتفيذية المعروفة للناس ليتم التأكيد على أن دولاب العمل يدور ولم يتأثر بالحرب، للمحافظة على الأمن الاجتماعي، في تلك الأثناء كانت الخطة أن تمضي جميع الولايات المتأثرة و الغير متأثرة بالحرب في ترتيب أولوياتها المتعلقة باستعادة الأمن وانسياب السلع و الخدمات.. وعلى الولاة عدم مغادرة ولاياتهم وعليهم الظهور العلني إلى جانب المواطنين.. ذلك الظهور الذي نقله الإعلام الاكتروني وإعلام الناشطين عبر الوسائط الإجتماعية حيث أنه مثل النافذة الوحيدة للاتصال والتواصل بين السودانين في تلك الأيام الصعبة عند بداية الحرب لا سيما بعد خروج كافة الاذاعات المحلية والفضائيات السودانية المهمة التي كان يتابعها الناس من الخدمة.. لذلك كان ظهور والي الخرطوم احمد عثمان حمزة التي أصبحت عاصمة الحرب مؤثر جدا وهو يتفقد أنسياب إمداد المياه والكهرباء ودقيق الخبز ويتفقد بعض المواطنين من الرموز الوطنية الذين ظلوا في بيوتهم ولم يخرجوا منها، ذلك أوجد ارتياح عام وسط المواطنين، كان بمثابة طمأنينة جعلت الكثيرين يتمسكون بعدم المغادرة كما جعلت آخرون يلجأون إلى المناطق الآمنة في ولاية الخرطوم التي ظلت تحت سيطرة الجيش.. أما في الجانب الأمني ترك أمر إعلان حالة الطواريء وحظر التجوال لتقديرات اللجان الأمنية بالولايات حسب خصوصيتها وتطور وتيرة الأحداث، بعد ذلك سرعان ما إنتقل الفريق إبراهيم جابر وطاقم العمل التنفيذي للحكومة حسب الخطة من ولاية الجزيرة الي العاصمة البديلة بورتسودان حيث بدأت الأجهزة تعمل وفقا لثلاث أولويات الأولى إستعادة البث الإذاعي وبث الفضائيات المحلية واستعادة الأنظمة التقنية التي تعمل بها الدولة في كافة المعاملات والخدمات والمحافظة على البنية التحتية للاتصالات وإجراء التحوطات اللازمة في حال حدثت أي أعطال طارئه نتيجة الحرب.. الأمر الثاني معاش الناس والسلع والخدمات بدأ تجديد فتح اعتمادات الدقيق والوقود والدواء وتسهيل السفر للراغبين والمرضى والدارسين عبر استخراج الجوازات ونقل كافة الإجراءات المرتبطة بذلك إلى العاصمة البديلة.. ثالثا تسهيل أمر انتقال أو مغادرة البعثات والرعايا الأجانب، بجانب سفر وفد برئاسة د. دفع الله الحاج علي مبعوثا من رئيس المجلس السيادي لعدد من الدول الشقيقة والصديقة لشرح ما يدور في البلاد إلى جانب ترتيب العديد من الأولويات.. بدأت كل هذه المهام تمضي في اتساق وترتيب دقيق جدا تحت إشراف الفريق إبراهيم جابر عضو المجلس السيادي ومساعد القائد العام للجيش، منذ الأيام الأولى للحرب وماتزال .. عليه يظل وجه الحقيقة في التأكيد على أن المخلصين من أبناء هذا البلد بعضهم تعلمونهم وبعضهم ربما لا تعلمونهم ظلوا يعملون ليلا ونهارا ل ايعرف النوم طريقا إلى اجفانهم.. وهم يجرون ترتيبات انقاذ الدولة من الانهيار والمحافظة على انسياب المعاملات الحكومية والخدمات الأساسية.. بذلك تجلت عظمة السودانيين حين استعادوا السيطرة على العمل التنفيذي جنبا إلى جنب مع مضي العمليات العسكرية في جميع المحاور والجبهات إلى أن جاء ترتيب أمر إخلاء رئيس مجلس السيادة قائد الجيش من القيادة العامة للعمليات الحربية في التوقيت المخطط له بكفاءة ومهنية عالية لم تعرفها معظم الجيوش.. رغم كل ذلك دعونا نؤكد أهمية استعادة الأمن و الذهاب إلى السلام العادل الذي يحقن دماء السودانيين وينتقل بهم إلى اليوم التالي من الحرب.. لتحديد خياراتهم في كيف يحكمون ومن يحكمهم فقط عبر صناديق الانتخابات.. لذلك ندعوا القوات المتمردة الالتزام بتنفيذ إتفاق جدة للترتيبات الأمنية والإنسانية ثم البحث عن الجماهير التي اوجعوها ونكلوا بها لتقول كلمتها.. هذه بعض الأسرار التي صاحبت افشال الإنقلاب.. إذا أمد الله في الاجال سوف نتناول أخرى فيها المدهش والمثير .
دمتم بخير وعافية.
الأحد 29/سبتمبر /2024 م. Shglawi55@gmail.com