مقدمة
على خلفية البيان الصادر اليوم ١٢ سبتمبر الجاري باسم (الرباعية ) والإجراءات العقابية الجائرة المرافقة له ضد بعض كبار المسؤلين بالدولة. وفي خضم النزاع المستمر في السودان منذ شرارة حرب أبريل 2023، تتزايد الضغوط الدولية من الرباعية المكونة من دولها، (ترى ما كنهها) وهي التي نصبت كيانها آمرا لأهل السودان وقيادتهم، في وقت يحقق الجيش السوداني تقدماً ملموساً في الميدان ويعمل على تعزيز الوجود المدني ودعم جهود التعافي الوطني. على الرغم من التصريحات الرسمية التي تُعلن دعم التسوية الإنسانية والسياسية، فإن الواقع يكشف أن هذا الكيان يفتقر لأي مشروعية فعلية، وأن دوره يرتكز على فرض إرادته بالبيانات الموجهة في توقيتات منتقاة وفرض ضغوط على الدولة دون تقديم أي دعم ملموس للشعب السوداني، أو حلولا عملية تأخذ بالمزاج الجمعي والآثار الكارثية التي رتبتها الحرب عليه، والواقع الذي يعيشه..
هذا المقال يحلل هذه الديناميكيات، ويقف على التناقض بين الإنجازات الميدانية السودانية والضغوط الدولية المفروضة من خارج الحدود لغايات لا تريد لبلادنا السلام و الاستقرار والنهوض ، ويكشف عن أدوار الأطراف المختلفة في الرباعية، ومدى تأثيرها السلبي على مسار الأزمة، مع التركيز على السيادة الوطنية والخيار الوطني الداخلي كعامل حاسم لأي حل مستدام.
الانتصارات الميدانية والوجود
رغم الجرائم البشعة التي يمارسها التمرد وما يزال ، شهدت الفترة الأخيرة انتصارات بارزة للجيش السوداني في بارا ومناطق اخرى بالمحور الغربي، والتي أظهرت قدرة الجيش على السيطرة واستعادة المبادرة وحماية المناطق الحيوية رغم الحصار والضغط الدولي، كما أكدت استحالة سقوط الفاشر رغم العمليات العسكرية المكثفة والمخاطر والمآسي الإنسانية بداخلها ومن حولها.
هذه الانتصارات ليست مجرد رمزية، بل تمثل دعمًا حيويًا للسيادة الوطنية وتعزيزاً لجهود الدولة في إعادة البنية المدنية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، تأتي الضغوط الدولية المتزايدة على السودان كلما عزز الجيش وجوده المدني أو حقق مكاسب ميدانية ملموسة علي الارض ، مما يعكس محاولة الرباعية للسيطرة على مجريات الأحداث، وفرض شروطها الخاصة بعيداً عن الواقع على الأرض، وكأنها تريد للتمرد أن ينتصر بعد فشله بكل ما وفر له من عتاد وعدة ومرتزقة ومسيرات وجاهزية وإسناد خارجي.
الحكومة الموازية وغياب الاعتراف الرسمي
رغم أن الاعتراف الإقليمي والدولي بالحكومة الموازية ما زال غير موجود رسمياً، إلا أن بعض الأطراف تتعامل معها عملياً في الخفاء ، ما يخلق تناقضاً صارخاً بين النص الرسمي والواقع العملي. هذا التناقض يضع السودان أمام تحدٍ مزدوج:
1. إدارة النزاع داخلياً مع الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها.
2. مواجهة الضغوط الخارجية بالوحدة الداخلية ، حيث تحاول هذه القوى استثمار أي حالة هدن أو ضعف لتعزيز نفوذ المتمردين على الأرض.
وجود حكومة موازية بلا مشروعية رسمية يشير إلى أن أي تعامل معها لا يمكن أن يكون في صالح الدولة أو الشعب السوداني، بل يخدم مصالح الجهات الداعمة للتمرد ومشروعاتهم في تفكيك وتمزيق البلاد ، بما في ذلك بعض عناصر الرباعية التي ترى في هذا الكيان أداة ضغط إضافية، وإسناد لا يابه بمجريات الأوضاع.
الضغوط الرباعية وأدوار الأطراف
تختلف أدوار كل طرف في الرباعية، لكنها تتقاطع في هدف فرض إرادة خارجية على السودان:
• اما تمثل الراعي الرئيسي للتمرد، وحاضنته، مستفيدة من أي هدنة أو اتفاق مؤقت لتقوية مواقع المتمردين، بما يعزز نفوذها في مناطق النزاع.
• أو غالبية قراراتها الرسمية تدعم الدولة ظاهريا ، لكنها تستخدم أدوات الضغط على الحكومة السودانية لتقييد الخيارات الميدانية والسياسية، وفرض قيود على التحركات العسكرية التي قد تساهم في إنهاء النزاع سريعاً.
• او تلعب دور “حامل القلم”، أي صياغة القرارات الدولية والتقارير التي تؤثر على السياسات الخارجية والإقليمية، وغالباً ما يركز ذلك على خدمة مصالح القوى الخارجية على حساب السيادة الوطنية والامن القومي للبلاد.
• او ساهمت في إطلاق مبادرة إعلان جدة ، لكنها لم تضمن للسودان أي مكاسب او حلولا تقيل عثرته، بينما استفاد المتمردون من الهدن المؤقتة لتعزيز مواقعهم والإضرار بالبلاد.
هذا المشهد يوضح أن الرباعية لا تقدم أي دعم محسوس أو إيجابي للسودان، بل تركز على فرض إرادتها على الدولة والشعب، وكانّها كيان فوق الإرادة الاممية ، مستغلة الضغوط الإنسانية والدبلوماسية لتحقيق أهدافها الخاصة، ولا تتشارك في رؤاها بالرأي مع القيادة السودانية.
غياب المشروعية والنتائج الفعلية
الرباعية تفتقر لأي مشروعية فعلية على الأرض السودانية، وهو ما يتضح من عدة جوانب:
1. عدم تمثيل الشعب أو الدولة، وعدم قدرتها على فرض الحلول أو التوجيهات دون تعاون داخلي.
2. غياب الدعم الفعلي، سواء الإنساني أو السياسي، ما يجعل أي تدخل شكلي أو مؤقت بلا أثر إيجابي ملموس، او كبح التمرد.
3. استغلال النزاعات الداخلية لمصالح خارجية، بما في ذلك تعزيز مواقع المتمردين، بدلاً من حماية المدنيين أو تسهيل الحلول الوطنية.
هذه العوامل تجعل أي التزام رسمي من الرباعية مظللاً بالضغط وليس بالحلول الواقعية، ويضع الدولة السودانية أمام مسؤولية الاعتماد على سيادتها وقدراتها الداخلية كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن والاستقرار بخياراتها الداخلية في تعزيز الوحدة الوطنية، والتعبير عن ارادة شعبها ومعاناته وفق المنظور الذي يكفل الحرب ويردها ويدحر تجارها وسماسرتها .
التناقض بين الخطاب والواقع
كلما حقق الجيش السوداني تقدماً في الميدان أو عزز من الجهود المدنية والتعافي والانعتاق ، تزداد الضغوط من الرباعية وأطرافها. هذا التناقض يعكس أن خطاب الرباعية الرسمي، الذي يدعو إلى الحل السلمي والانتقال المدني، لا يتوافق مع أفعالها على الأرض:
• محاولة تقييد تحركات الجيش وتوجيهه ضمن حدود ضيقة.
• دعم جزئي أو غير مباشر للمتمردين في بعض المناطق.
• التأثير على أي تفاهمات محلية لصالح الطرف الذي يخدم مصالحها الإقليمية والدولية.
النتيجة هي أن الرباعية تستثمر النزاع لتكريس نفوذها، خارج سياق القانون الدولي وتستغل أي هدنة أو اتفاق مرحلي لتقوية مواقع خصوم الدولة، بينما يعاني الشعب السوداني من استمرار النزاع والأزمة الإنسانية والويلات .
السيادة الوطنية كخيار حتمي
في هذا السياق، يصبح تعزيز السيادة الوطنية والاستقلالية في القرار السياسي والميداني الخيار الوحيد لضمان مصالح السودان:
1. الاعتماد على الجيش الوطني والمؤسسات المدنية لضمان استقرار الدولة.
2. رفض أي حلول مفروضة أو ضغوط خارجية لا تراعي الإنجازات الميدانية والمكاسب الوطنية والمزاج الجمعي للشعب .
3. تطوير القدرات الداخلية في الإدارة والسياسة والدبلوماسية، بعيداً عن الهيمنة الخارجية.
4. الاحتكام للشرعية الدولية عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، لكن بطريقة تحمي مصالح الدولة والشعب، لا لتقوية المتمردين أو الأطراف الأجنبية او فرض اجندتها ومشروعاتها.
هذا النهج يضمن أن أي تسوية أو دعم دولي يكون مؤثراً وخادماً للسيادة الوطنية، وبقبول قيادة الدولة وبوابتها عبر المؤسسات لا البيانات وليس أداة ضغط لفرض إرادات خارجية.
الخلاصة
الرباعية تمثل كياناً خارجياً بلا مشروعية فعلية ولد لاجل غايات أربابه في السودان، لم يختاره، بل كون نفسه وفرض اجندته بواقع ومنطق القوة والمصالح والنفوذ. وغياب الدعم الحقيقي يجعل تدخلاتها مجرد ضغط إضافي على الدولة والشعب. لانه يتجاوز سيادة البلاد ويخرق مبدأ التدخل في الشأن الداخلي للبلاد ، والأدوار المختلفة للأطراف – الإمارات كراعٍ للتمرد، الولايات المتحدة كبائع ضغط سياسي، بريطانيا كحاملة للقلم، والسعودية كمبادرة جزئية – توضح أن الرباعية تسعى لفرض إرادتها، وليس لتحقيق أي مكاسب للسودان او تعزيز أمنه واحترام ارادة شعبه.
في المقابل، يظهر الواقع الميداني أن الجيش السوداني قادر على حماية المناطق الحيوية وتعزيز الجهود المدنية، وأن أي حل مستدام يجب أن يرتكز على:
• السيادة الوطنية.
• الاستفادة من الإنجازات الميدانية.
• تطوير مؤسسات الدولة وقدراتها الداخلية، وحشد التعبئة الوطنية.
• الاستفادة من الدعم الدولي بما يخدم مصالح الدولة وليس مصالح المتمردين أو القوى الخارجية.
إن قراءة الواقع بهذه الطريقة تؤكد أن الرباعية لم تقدم أي عائد حقيقي للشعب السوداني، وأن الحلول المفروضة خارجياً ستظل ناقصة ومهددة للسيادة، ما يجعل القرار الوطني الداخلي والخبرة العسكرية والسياسية هي الضمان الوحيد لاستقرار السودان وحماية مصالح شعبه والدفاع عن مكتسباته.
في ضوء ما سبق، يصبح أن القيادة السودانية والشعب السوداني بعزيمتهم وإرادتهم الماضية هم الأقدر على كفكفة ويلات الحرب وتحمل نتائجها، واتخاذ الخيار الذي يتناسب مع واقعهم الوطني. لا يمكن لأي طرف خارجي، مهما كانت قوته ونفوذه أو رعايته، أن يسلب السيادة الوطنية أو مطلوبات الأمن القومي في حرب مفتوحة شهد السودان خلالها تدخلات ودعم خارجي غير مسبوق في التاريخ المعاصر. ومع ذلك، لم يفلح التمرد في كتابة النصر الذي يسعى إليه، ولا انجاز المخطط التي رسمته أطراف الحرب ورعاتها الكثر، مما يؤكد أن القرار الوطني والقدرة الداخلية على مواجهة التحديات هما الضمان الحقيقي لاستعادة الاستقرار وحماية مصالح الدولة والشعب، بالالتفاف حول القيادة وحماية النسيج الداخلي من هكذا تغول خارج سياقات القانون الدولي وكل الأعراف والمواثيق. لذا فإن الموقف المشترك المأمول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء د كامل ادريس ، ازاء هذا الذي صدر من هذا الكيان المتسلط، ينبغي ان يكون بالقدر الذي يلبي تطلعات هذه الامة في واقعها الذي تعيش والذي تجاوز اي سقف للتضحيات، وان يسد مثل هذه المحاولات بالتدخل الي الأبد، ويعظم من خياراتنا الوطنية ،سيبقى هذا موقفا يشهده التاريخ ويكتب سجله في الزود والاباء والشمم والنصرة، ويقيني ان قيادتنا بهذا العشم فيها.
⸻
١٣ سبتمبر ٢٠٢٥م
