هذه الوسائط الالكترونية و منها تطبيق ( الفيسبوك ) هذا – مثالاً – تناسجت في تلافيف الغلاف الأثيري خيوطا متجاذبة مع التفريغ الكهربائي الإكليلي المعروف بالكهرومغناطيسية مجتذبة مجاميع من الناس على شكل قوائم صداقات الصفحات فتشكلت منهم ( مجتمعات ) حقيقية العلاقات تتواصل صوتا و صورة و كتابة – فأصبحت بذلك ظلاً مماثلاً لواقع لمجتمعاتهم الطبيعية علی الأرض – يتوافر في ذلك الظل كل ما هو متوافر في جسده على الأرض ، بمعنی أنه يجوس فيه العقلاء و الحمقى و العلماء و المتعالمون و الجهال و ٘التقاة و الفجار و المختلفون عقديا أو طائفيا و سياسيا و المتفقون ، و فيه التجار و المحتالون و الطيبون و الخبثاء و المخلصون و العملاء و الأغنياء و الفقراء و المتنوعة قدراتهم و اختصاصاتهم .
إنه المجتمع ذاته الذي تتباين فيه الأحداث و الأحوال كما تتباين المشاهد في شارع رئيس تمشي عليه مواكب التشييع معا وراء جوقات الزفاف و يتزاحم فيه العمال و الطلاب و الاطفال و النساء و الرجال و الباعة و المتسولون و الساسة و المجانين- تزاحما بلا أجساد و دونما اختلاط أنفاس و لا تقليب أبصار إلا في أسطح هذه الشاشات الصغيرة المضيئة .
فكأنه برزخ للأرواح تتلاقى فيه بلا شرط نوم أو موت أو سكراً ولا جنون و لا إغماء – برزخ مشابه لمخزن الأرواح ذلك الذي لا يدخله الأحياء إلا و هم نائمون غير أننا لا نلتقي فيه كما نلتقي في الأحلام مع الموتىٰ نكلمهم و نسمع منهم أو الملائكة و إن كنا لا نستبعد اللقاء بالشياطين فيه .
برزخ تجوس فيه النفوس لا تهدأ على مدار الساعة ، تتعب ذهنيا و نفسيا و جسديا و أنت تتأملها من نافذة جهازك مرات في اليوم تتقاذفك الموضوعات و الصور الثابتة و الناطقة المتحركة و تستنفد بطارية طاقتك و بطارية جهازك معا و تلقي بك صريعا مرهق الروح مضطرب الفكر حيران مجهدا و قد أفنيت من عمرك ساعة أو ساعتين في جلسة أو رقدة واحدة تفيق بعدها على الواقع و كأنك عائد من دنيا موازية و يلزمك حينها ضبط التركيز حتى تستطيع الاتساق مع واقع الدنيا و على ذكر كلمة ( الدنيا ) فإنك أول ما يتبادر إلى الذهن حينما تسمعها – سعة الجغرافيا و كثافة الأحداث – و ينطلق الخيال حينئذ في فضاء مبهم بتصورات لا نهائية لمعناها و ينقطع إرسال المنطق هنا .
في حين أنها ببساطة لا تعني للفرد منا في الحقيقة أكثر من سنوات عمره فيها كما فسرها العلامة الشعراوي رحمه الله – تمر عليه أحداث كثيرة مختلفة أو يمر عليها فتشكل تاريخه و سيرته الذاتية فيها – ليس لمجرد مرورها عليه و مروره عليها و إنما بحسب مواقفه من تلك الأحداث كما ذهب إلى ذلك المفكر الفيلسوف و الأديب الإنجليزي ( ألدوس هسكلي Aldous Huxley ) .
و لعل هذا الفهم للدنيا الواقعية ينطبق تماما في الحقيقة على هذه الافتراضية في هذا العالم الجديد الموازي تطابقا يوشك أن يكون تاما لولا أن الشعور بمطابقته لا يتوفر عند أكثر الذين يعمرون مجتمع الأثير هذا فمن السهولة أن يفتضح فيه من يناقض سجل مواقف من الأحداث بمرور الزمن في حين أنك تستطيع فضح ذلك التناقض بمجرد ضغطة ( click ) على أرشيفه سواءا كان دولة أم حزبا أم فردا عاديا – و لعل في هذه الخاصية الإلكترونية ما يقرب إلى الاقتناع بإمكانية استنساخ الأقوال و حركة الأفعال من الحياة الواقعية كذلك صوتا و صورة بتفاصيلها في كتاب كما جاء في في الإخبار القرآني في قوله تعالى: ( هذَا كتابُنا ينطِقُ عليكم بالحقِّ ۚ إِنّا كنَّا نَسْتَنسِخُ ما كنتمْ تعملونَ )
” الآية 29 من سورة الجاثية ”
و قد ورد مثل هذا التقرير في الكثير من الآيات غير أنَّ الآية التي استوقفني فيها اللفظ المخصص و الذي يرتبط مباشرة بموضوعنا هنا – هي قوله تعالى في سورة ( يس ) :
(( سَنَكتُبُ ما قَدَّموا و
” آثارَهم ”
و كلَّ شيءٍ أحصَيناهُ في إمامٍ مُبينٍ ))
هذه الآية لا شك قد مرَّ عليها المفسرون عبر قرون التاريخ الإسلامي و لا شك أنَّ كلَّاً منهم قد بذل جهدا عظيما في التفسير مُستقيا عِلمَه من المعارفِ المتاحة في عصره .
و بالفهم اللُّغويِّ البسيط يمكننا أن نتوصل إلى أنَّ
” الواو ” التي عطفت كلمة ( ما قدموا ) إلى كلمة ( آثارَهم ) تخبر أنَّ المعطوف أمرٌ آخر غير المعطوف إليه ، مع أن كلمة ( ما قدَّموا ) شملت كل عمل قدَّموه فما هي الآثارُ هنا ؟ و القرآن الكريم مُنزَّهٌ عن التَّكرار و إرداف الألفاظ و الزيادة غير المفيدة !
فبَدَهيٌ إذن أنها ليست جمعا لكلمة ( أثَر ) بمعنی ذلك الذي يخلفه الفعل حيث إنّ كلمة ( ما قدَّموا ) تضمنَّت الفعل و أثره الطبيعي تلقائيّاً .
عليه : فلابدّ أن يكون المقصود بجمع آثار هنا ( أثرا ) آخر خصَّهُ القرآن بالاستثناء بعد أن ورد مضمنا في كلمة ( ما قدَّموا ) كقوله عز و جل ( قُلْ مَن كانَ عدوَّاً للهِ و ملائكتِهِ و جبريلَ و ميكالَ ) فخصَّهما بالإفراد على الرغم من أنهما ضمن الإجمال في قوله تعالى ( و مَلائكَتِهِ ) و هما من الملائكة .
فكلمة ( آثارَهم ) يأتي استثناؤها هنا برغم إجمالِها ضمن ( ما قدَّموا ) ليُفيد التصاعُد بالشاهد إلی ما هو أدَقُّ من الأثر المحسوس كقوله تعالي ( يَعلمُ السرَّ و أخفىٰ ) .
أي أنها – أعني ( آثارهم ) – إنما يُخبِرُ بها عن أمر أدق ، و الأرجحُ أنها جمعٌ لكلمةِ ( أثير ) فليس في العربية جمع لكلمة أثير إلا ( آثار ) نفسها – و لعلنا في عصرنا هذا قد أتيح لنا من العلوم ما لم يكن متاحا لأسلافنا المفسرين من مناهل المعرفة و بروز الظواهر و الاكتشافات التي يجب علينا الاستفادة منها بعد عرضها على ما قرره كتابنا السماوي من معارف و إشارات طالما أننا آمنا به و أقررنا أنه من الخالق سبحانه و صدَّقنا أنه لم يفرِّط فيه من شيء سبحانه.
حيث تقدمت اليوم علوم الفيزياء و الكيمياء و تفاتحت العلوم على بعضها بعضا تأكيدا على قابلية لا نهائيةٍ في العقل البشري لتحمل ما لا يحصى من المعلومات .
و معروف اليوم أن الفيزيائيين والمختصين في علم النفس الفسيولوجي و علماء الباراسيكولوجي قد فتحوا آفاق واسعة في ما يعرف اليوم بدراسات الهالة الأثيرية ال ( AURA ) المتمثلة في لفائف أثيرية كهروماغنطيسية تحيط بجسد الكائن الحي لا يملك أن يكتسبها بجهده و لا أن يفقدها بإرادته و لا يتحكم في خصائصها حيث إنها متصلة بالحالة الفسيولوجية لجسده لا تنطفيء إلا بانقطاع الحياة عنه و لزم أن نؤكد هنا بأنها لا صلة لها بالروح فالهالة لا تصحب الروح في رحلة النوم التي تتحرر فيها من سجن الجسد بالوفاة المؤقتة ( النوم ) بل تظل الهالة في موضعها حول الجسد لا تصعد مع الروح إلى العوالم و المناخات التي تعبرها خلال وفاتها المؤقتة و لا الأبدية :
و في الآية الكريمة يقول عز من قائل :
( اللهُ يتوفّىٰ الأنفسَ حين موتها و التي لم تمت في منامها فيُمسِكُ التي قضىٰ عليها الموتَ و يرسلُ الأخرىٰ إلى أجلٍ مسمَّىٰ )
و لقد حاول بعض المندفعين بحميَّة مذاهب أشياخهم إنكار حقيقة الهالة على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه الخبيران الروسيان
” سيمون دافيد” و “فيتش كيرليان ” بعد أبحاث استمرت من 1936 إلیٰ 1939 حيث طورا كاميرا ( كيرليان/ kirlian ) و تمكنا بها من تصوير حركة الهالة ( AURA ) و أصبح متاحا للباحثين و المهتمين رؤيتها في كثير من المتاحف السياحية العالمية و منها متحف الشارقة .
كذلك استوقفني لفظ بعينه في الحديث الصحيح عن نبينا الكريم عليه و على آلِهِ أفضل الصلاة و أتم التسليم و الذي جاء فيه ما معناه :
(( الأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ ما تعارف منها ائتلف و ما ( تنافر ) منها اختلف ))
و هاتان اللفظتان نطلقهما تلقائيا على خواص قطبي المغناطيس .
عليه فإن الهالة و هي ( الكهرومغناطيسية ) لا شك أنها الوسيلة التي تدرك بها الروحُ ما إذا كانت متآلفة أم متنافرة مع الأخرى .
فبها يعرف التآلف و التنافر بين هالات الناس و التي كما هو معروف تتفاوت من كائن حي الى آخر و بالتالي من شخص إلى شخص حسب ألوانها و درجات النفاذ و آمادِها و لمعرفة التجاذب أو التنافر لابد من لقاء هالات الأشخاص فيزيائيا مقيدا بالمسافة – أما لحدوث ( التخاطر ) فلا يحتاج قرب المسافة بل ربما أمكن ذلك أيضا عن طريق التراسل و الأصوات و الأنفاس و الصور و حركة الكتابة تبادلا ذهنيا و نفسيا للأفكار و المشاعر .
إذن فكلُّ ما هو كائن في هذا البرزخ الأثيري ( الفيس بوك ) يؤكد ذلك .
و من شآء البحث في حقائق الهالة سيجد الكثير من المراجع المطبوعة و المواقع الالكترونية و الجمعيات و يجد المعاهد الدولية المختصة في هذا العلم الكوني و لعل من أهم الكتب في ذلك كتاب ( الإنسان روح و جسد و كتاب الاتصال بين عالمين و هما للدكتور رؤوف عبيد و كذلك كتاب التداوي بالإيحاء للدكتور أمين رويحة و كتاب الهالة الأثيرية للدكتور محمد صادق عدوي .
أ.عبد القادر الكتيابي
2003/5/7