استمعت إلى المقابلة التي أجراها مذيع الجزيرة مباشرة أحمد طه مع السيدة الفاضلة مريم المهدي قبل أيام …كانت بعض اجابتها لافتة عندما قال لها من خلال مقابلاتي المختلفة معك لاحظت أنك ألان اقرب إلى القوات المسلحة من مواقفك السابقة… كانت اجابتها يا أستاذ أحمد أنت رجل ذكي… وقالت ما معناه أنها لا تكره الجيش غير أنها عادت وقالت الحديث المكرر عن إعادة هيكلة الجيش واصلاحه.
في تلك اليام الساخنة بعد ثورة ديسمبر التقيت بالسيدة الفاضلة في جلستين أو ثلاثة بنادي التنس وهي من أعضائه الممارسين للعبة … كانت لقاءات قام بترتيبها الأخ كابتن عادل جابر أبو العز رئيس النادي وكان معنا مجموعة من الأصدقاء في النادي منهم الأخوة فؤاد أحمد مكي عبده والعميد حسن بيومي وآخرين .
في تلك الأيام كانت السيدة الفاضلة هي وحزبها جزءاً من الحرية والتغيير (المجلس المركزي). لاحظت في كثير من تصريحاتها ولقائتها في فترات مختلفة أنها تكثر الحديث عن ضرورة وجود رؤية مشتركة على الحد الأدنى بين القوى السياسية وما تكرره عن إعادة هيكلة الجيش ويقصد به ابعاد الإسلاميين منه.
مريم المهدي التي أجهشت بالبكاء على حال السودان من قبل وهي تحسبها باليوم ( 680 يوم ) كما ذكرت لطه ، ليس من طبع مريم المهدي تبنى المواقف المتشددة لذلك ظللت استغرب طيلة فترة العراك السياسي احتدام الصراعات حول الاطاري ودستور نقابة المحامين كيف أن مناداتها بضرورة وجود توافق وطني لم ينعكس على مواقفها في تلك السجالات الساخنة التي انتهت بالحرب … بل في وقت ما عند سؤلها عبر الفضائيات عن ما يمكن أن يحدث في خضم الخلافات قالت ( لكل حادثة حديث) ، كان ذلك قبل الحرب بفترة قصيرة… مريم المهدي شخصية وازنة في حزب الأمة القومي وتحتاج لأن تكون في مواقفها أقرب إلى الشخصية التوافقية من الشخصية الحادة في مواقفها التي ربما تعطي انطباعاَ أقرب إلى الخصام والتباعد أو التنافر في المواقف السياسية هذا لا يتلاءم مع طبعها فيما يبدو لي كشخصية عامة متوازنة.
في أحد لقاءاتنا بنادي التنس مع المغفور له الإمام الصادق المهدي الذي كان يمارس اللعبة مرتين في الأسبوع ويجلس بعض الوقت مع بعض الأعضاء لتناول الشاي قبل مغادرته … سأله الراحل العميد أمن (معاش) حسن بيومي عن سبب التباين في المواقف السياسية بين عبد الرحمن المهدي وأخوته … كان رد الإمام مقتضباً ومختصراً أن اخوته يختلفون معه ولم يفسر ولكن كان مفهوماً أن الخلافات هي ذات طابع سياسي وليس شخصي من بعض المقربين من البيت الكبير اسمع أنها من أقرب اخوتها لعبد الرحمن المهدي من تباين المواقف..
لقد ظلت قضية غياب التوافق الوطني حول الحد الأدنى بين الأحزاب الرئيسية واقصد كل من حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قضية متغلغلة في مسيرة السودان منذ ما قبل وبعد الاستقلال، وكأنما كتب على السودان أن ينتظر عبر العقود متى يمكن للحزبين الكبيرين الرئيسيين أن يصلا إلى نقطة توافق حول ثوابت وطنية ليس هناك خلاف حولها… بل أن الوضع لم يقتصر على التنظيم الحزبي ولكنه امتد إلى داخل الأسرتين الكبيرتين ومثل ما يشهده ألان بيت المهدي من التشتت والانقسام يحدث نفس الأمر داخل بيت الميرغني الذي يواجه العديد من الانقسامات داخل الحزب وبين أبناء مولانا محمد عثمان الميرغني.
أعود لموقف السيدة الفاضلة مريم المهدي التي اظن أن موقفها من القوات المسلحة يجب أن يكون فيه قدراً أكبر من الإيجابية والابتعاد عما يتردد عن اختطاف الجيش، ولعل السؤال الذي يثار هنا… هل كان الجيش مختطفاً من حزب الأمة عندما حدث انقلاب الانقاذ وكان الفريق بابو نمر رئيساً لهيئة الأركان وهو من اسرة معروفة بأن افرادها ينتمون اسرياً وقبلياً للحزب، وقبل ذلك هل سبق أن قال احد بعد ثورة أكتوبر أن الجيش كان مختطفاً من قبل أبناء الاتحاديين وحزب الأمة الذين كان بعضهم ضمن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي باركه مل من الزعيمين الميرغني والمهدي.
على السيدة الفاضلة إن كانت حقاً تريد خيراً للسودان وأظن أنها كذلك عليها أن تسافر غداً إلى بورتسودان وتعلن لم شمل الحزب مع اخيها اللواء(معاش) عبد الرحمن المهدي الذي يتجول الان وسط جماهير الأنصار في ربوع السودان… ليس مطلوباً منها الاعتذار مجرد وليس مطلوباً منها مقابلة البرهان أو أي من افراد الحكومة ولكن عليها الانخراط في عمل حزبي منتج استعداداً لما بعد فترة الانتقال.
ما لا يدركه الذين يتحركون في الخارج من القاهرة وأديس وتركيا وغيرها من العواصم لا يشعرون بما حدث من متغيرات في وجدان وقناعات الشعب السوداني ، بعض من يتحدثون تشعر وكأنهم يبيعون مواقف للخارج عند الحديث عن إمكانية تقسيم السودان وتضخيم الحديث عن ما حدث مؤخراً في نيروبي… وهم نفسهم الذين ظلوا يتحدثون عن خطر المجاعة وعدم قدرة الجيش على حسم الحرب . ما حدث من ضرر وانتهاكات وفظائع غير مسبوقة في تاريخ السودان من قبل التمرد يعتبر تاريخاً فاصلاً بين المواقف هناك شعب له موقف لا تخطئه العين مساند بقوة للجيش لا ينقص منه ما يتردد من كلمات اختطاف وفلول وغيرها… مر الشعب بمحنة حقيقية شارك في ارتكابها الجميع حتى وإن قلنا أن هناك أخطاء قد حدثت فالقوات المسلحة قد استطاعت أن تسترد عافية البلاد وتوشك أن تحقق نصراً كان يشكك فيه الكثيرين وهو أمر يحسب لها … ويظل السؤال ايضاً متى يمكن للقوى السياسية المدنية المفتتة والمنقسمة والتي تتجول بين العواصم أن تصحح مواقفها وتنحاز مع الشعب إلى جانب القوات المسلحة في هذا الوقت المفصلي من تاريخ البلاد بدلاً من التجول بين المنابر في الخارج ويوم في (تقدم) ويوم في ( مصادمة) والقاء اللوم والانتقادات على الداخل.
في ظل الظروف والمعطيات الحالية ليس هناك ضوء في نهابة النفق المظلم الذي تسير فيه القوى السياسية المدنية من كتلة ديمقراطية ولا مجموعة (مصادمة) الجديدة أو ناس التغيير الجذري أو الإسلاميين الجدد يمكن أن ينقذ البلاد ويسير بها إلى الأمام سوى القوات المسلحة التي هي الجسم الوحيد المتماسك والقوي في السودان… ويظل سؤال وجهه أحمد طه للسيدة الفاضلة مريم المهدي حائراً بلا إجابة عندما قال ” من الذي سوف يدير البلاد إذا ما انتهت الحرب” ؟ هل تترك للقوى المدنية المتصارعة المنقسمة وأحزاب لا تسيطر على قياداتها مثل ما صدر من الفريق برمة وإبراهيم الميرغني وعلاء نقد الذي قيل أنه وقع بصفته الشخصية ولا يمثل المهنيين والنقابات
أقول للسيدة الفاضلة مريم المهدي حزب الأمة كانت له أخطاء تاريخية منها على سبيل المثال في الحاضر القريب موقفه من مصر التي تأوي ألان كل اسر الحزب … منها تفكيكه للتكامل المصري السوداني وتجميده أو الغائه لاتفاقية الدفاع المشترك استجابة لدعوات من القوى اليسارية … ألان موقف الحزب أقرب ما يكون لتلك القوى اليسارية المتطرفة فهلا راجع الحزب مواقفه ايتها المنصورة؟
بروفيسور صلاح محمد إبراهيم يكتب مريم المهدي هل تلحق عبد الرحمن المهدي؟
