محجوب عروة _ يكتب _ رؤية مستقلة لدعم مؤتمر القاهرة-

مقدمة
تنطلق هذه الرؤية المستقلة من المبادرة التي أطلقتها وزارة الخارجية المصرية في اليوم السادس من يوليو 2024 وما ورد في البيان الختامي للمؤتمر،حيث أن المبادئ العشرة لتلك المبادرة التي أعلنها السيد وزير الخارجية المصرى في خطابه عند بداية المؤتمر ثم ما ورد في البيان الختامى قد كرس المشتركات والحد الأدني بين الجميع ويشكلان مدخلا جيدا وصحيحا لتجاوز الأزمة السودانية التي تفاقمت بسبب التباعد وعدم الثقة والخوف المتبادل والصرعات بين كافة الأطراف الا أن تلك الخطوتين ( المبادئ والبيان) تحتاجان لاستكمالهما لمساهمة الحادبين علي تجاوز الوضع المأساوى الحالي والي أفكار ومقترحات واضحة ومحددة خاصة تطوير اتفاق جدة كما جاء في البيان الختامي حيث يمكن ان تشكل تلك الأفكار منصة التأسيس لحل جذور المشكلة السودانية التي في جوهرها جذور أخلاقية وثقافية واجتماعية هي التي أدت الي ما نحن فيه اليوم من فشل واضح. هذه المبادئ العشرة التي جاءت في بيان وزير الخارجية يجب أن ينطلق منها الجميع دون تحفظات وعرقلة لا داعي لها البتة بسبب خلاف حول البيان الختامى الذي يشكل النواة والمرحلة الأولي والحد الأدني لاتفاق نهائي. تشمل هذه المبادئ ما يلى:
1- المحافظة علي وحدة السودان واستقلاله وسلامة أراضيه
2- عدم التدخل في الشأن الداخلى للسودان
3- الالتزام بخيارات الشعب السوداني ومبادئ ثورته المجيدة
4- المؤسسة العسكرية الوطنية هى الوحيدة المنوط بها حماية الدولة والشعب والحفاظ علي وحدته وتحقيق أمنه واستقراره
5- ملكية السودانيون للعملية السياسية عبر حوار سوداني- سوداني
6- شمولية مشاركة القوى والأحزاب السودانية وحركات الكفاح المسلح الموقعة علي اتفاق جوبا للسلام وغير الموقعة أيضا وكافة أطياف المجتمع المدني السوداني – خاصة المرأة والشباب- بجانب القيادات المجتمعية والقبلية والأهلية في العملية السياسية فضلا عن قوى شرق السودان لمعالجة قضية الشرق فى الأطار العام للأزمة السودانية.
7- قصر آلية الدول وآلية المنظمات علي التيسير والتسهيل عند المقتضي مع الأخذ بشمولية المشاركة لكل من الآليتين.
8- التأكيد علي الالتزام بما يتوافق عليه صراحة وضمنا المجتمع السوداني بكل مكوناته طبقا للبند 6 وهي:-
أ‌- تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية فور التوافق علي تشكيلها في اطار برنامج يتم اعداده والموافقة عليه من جانب المؤتمر.
ب‌- نأى المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي والاقتصادى مع امكانية النظر في دور المؤسسة العسكرية خلال الفترة الانتقالية
9- بناء جيش سوداني وطني قومى مهني واحد غير مسيس يعبر عن كل مكونات المجتمع السوداني
10 – الاتزام بتنفيذ واحترام قرارات ومخرجات ما يتم التوصل اليه من توافق بين القوى والأطراف السودانية استنادا الي التوافق الشعبى.

*** أيها السادة القراء لهذه الرؤية ان العالم يتغير وكثير من الشعوب تتحسن أحوالها بفضل الأفكار الجديدة و الرغبا ت الأكيدة والادارة الحكيمة والارادة الصلبة التي تنتجها العقول الفذة والضمائر الحية والقلوب الصادقة الصافية ورجال الساسة والدولة العظماء الأفذاذ و الاستفادة مما تنتجه وتطوره الوسائل التقنية الحديثة و بفضل الحريات الواسعة والاعلام الحر المسئول الذي يخاطب العالم ويوقظ الانسان من سبات الغفلة والجمود والتطرف واللامبالاة، ويعمل علي تكريس الحقوق مع أداء الواجبات فلنكن مثلهم فقط لنستفيد من أخطائنا وتجارب غيرنا آخرها مثل كوديسا جنوب افريقيا وتجربة رواندا..وهذا لا ولن يتحقق الا باتباع أعظم قيم ايجابية في الوجود جاءت في كتاب الله عز وجل مثل البر وحسن الخلق والاحسان والقول الحسن والوفاء بالعهود والعفو والاصلاح بين الناس قد يحقق قوله تعالي: (عسي الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) صدق الله العظبم.

الرؤيا المستقلة
تنطلق هذه الرؤيا المستقلة من الاحساس بالواجب المتفانى بحب الوطن واحترام رغبات شعبه الذي علمنا ورعانا وطورنا ومن منطلق المصالح العامة للوطن وليست المصالح الشخصية او الحزبية والجهوية والقبلية الضيقة واني لأرجو الله ان تكون هذه الرؤيا المستقلة في هذا المنعطف الخطير والحاد اضافة نوعية للمبادرة المصرية والبيان الختامى حتى تؤتى اكلها تهدف للاصلاح بين الجميع لوقف نزيف الحرب والحل السياسى الشامل الذي بدونهما معا لن نتجاوز ما نحن فيه، بل هى معذرة الي ربى ولعل الجميع يهتدون الي ما نصبو اليه من أمن وطمأنينة واستقرار وسلام وحرية وعدالة عبر دولة مدنية دستورية بديمقراطية راشدة ونظام فدرالي صحيح يفضى للازدهار الاقتصادى ونتجاوز به كل أخطاء الماضى والحاضر التي تسبب فيها ومارسها (الجميع) دون فرز منذ الاستقلال حتى اليوم فنتخطى جذور ومسببات الأزمة السودانية (الأخلاقية والثقافية من حسد وأنانية وخطاب الكراهية، و أخرى اجتماعية من عدم احترام وفشل ادارة التنوع والتعدد و كذلك سياسية بعدم حب الوطن ونهج الاقصاء والانتقام المتبدل والاستبداد والظلم واتباع منهج العمل العسكرى الحربى بديلا لمنهج التطور السياسي والدستورى السلمى وعدم الكفاءة في ادارة الدولة، و أخيرا لفشل ادارة اقتصاد لوطن يتمتع بثروات هائلة وموقع جغرافى متميز بسبب سوء السياسات والفساد المالي الواسع) والتي تسببت جميعها في هذا الفشل فصدق علينا جميعا قول سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)..
كيف نطور اتفاق جدة؟
ان مجرد رفع شعاري (لا للحرب) أو (الاستمرار في الحرب) دون تقديم مقترح محدد لوقف الحرب نهائيا يقبله الجميع ليسا كافيا والمطلوب هو ( كيف) نوقف الحرب وماهى الآليات المناسبة لتحقيق ذلك فكلا الشعارين يحملان أجندة خفية ليحقق كلا منهما أهدافه السياسية.المطلوب أولا لنجاح اتفاق جدة استعادة الثقة المفقودة بين الأطراف وتجاوز حالة الخوف المتبادل بينهم وذلك لا يتحقق الا عبر ثلاثة مواقف حاسمة أولها وجود ( رغبة حقيقية) لوقف الاقتتال والصراعات وثانيها ( ارادة حقيقية) لتنفيذ ما يتفق عليه وثالثها ( تنازلات معقولة) لتحقيق السلام فكيف يتم ذلك؟ هذا ما أقترحه في هذه الرؤيا المستقلة:-
يقوم الاقتراح علي ما اطلق عليه ( الحافز الايجابى والعفو المشروط).. لنتجاوز حالة الشروط التعجيزية لكلا الطرفين التي عطلت تنفيذ اتفاق جدة وذلك من خلال أن يقوم ويبتدر مجلس السيادة الحالى والجيش السوداني والحكومة الحالية في السودان باعتبارهم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وحكومة الأمر الواقع بتقديم (حافزا ايجابيا) للدعم السريع باستخدام الحق العام للدولة باعلان بالعفو العام بشرط ان ينفذ الدعم السريع ما طلبته الحكومة في اجتماع جدة من الخروج الآمن لقوات الدعم السريع من المنازل وكل المواقع والمدن وتسليم السلاح لقوات محايدة والالتزام بارجاع المرتزقة لدولهم. هذه القوات المحايدة هى من جيش مصر وجنوب السودان ويمكن اضافة قوات رمزية لدول الجوار وجنوب افريقيا متفق عليهم.يقابل ذلك اعلان قبول الدعم السريع بذلك الشرط ومن ثم تصبح المؤسسة العسكرية الوطنية هى المناط بها حفظ الأمن وحماية الدولة مثلما ورد في البند الرابع أعلاه. أما بخصوص القوى السياسية المعارضة في الخارج ( قحت وتقدم) فيتم اعلان الغاء الاتهامات الجنائية في مواجهتم ومن ثم العودة للوطن لممارسة حقوقهم وواجباتهم الوطنية والسياسية سلميا.
يتم بموجب ذلك الحافز واعلان العفو العام كحق للدولة عقد معاهدة معلنة وموقع عليها من الجميع وأقترح ان يتم ذلك في الحرم الشريف بمكة المكرمة يشهده الشهود و يعلن للعالم. وبخصوص الحق الخاص فيكون عبر العدالة الانتقالية من خلال القضاء العادل المستقل عبر العقوبة لمن اجرم وسرق واغتصب او دفع الديات أو العفو لمن يريد الأجر من الله.
** عقب ذلك يتم عقد مؤتمر مائدة مستديرة في قاعة الصداقة تكون بمثابة (منصة تأسيس) ومن ثم يتم اعادة صياغة (الاتفاق الاطارى) بتوافق الجميع ليصبح ( الميثاق الوطنى) الذي يحدد المشتركات والحد الأدني للتوافق والوحدة الوطنية وموجها للممارسة السياسية الصحيحة وليس كما ورد في النص الأصلي فى ديسمبر 2023 بتفاصيله المختلف حولها في ادارة الحكومة ومن ثم يتم اعداد دستور لادارة المرحلة الانتقالية وربما دستور دائم وثابت مستفيدا من كل الدساتير السابقة يحدد كيف تدار الدولة لا مركزيا ( فدراليا أو اقليميا) مع الاتفاق علي التقسيم الادارى لعدد تلك الولايات، وأقترح ان تكون الفترة الانتقالية لمدة أربعة أعوام أو ما يتفق عليه تعقبها الانتخبات العامة الحرة النزيهة التي تعيد للشعب سلطته وتحدد ( من يدير الدولة). كما يتفق علي كيفية اعادة الاعمار والتعويض المناسب للمتضررين من الحرب.
** أرى أن يتم الاتفاق علي قيام الحكومة الانتقالية دون محاصصات حزبية من شخصيات وطنية تتمتع بالقبول والاستقلالية والخبرات النوعية لادارة الفترة الانتقالية، كما يتعين استكمال مجلس السيادة الحالي من شخصيات مستقلة ودون محاصصات حزبية وجهوية وقبلية مع تمثيل لكل أقاليم السودان، ويختص مجلس السيادة بالتشريع ورمز السيادة دون التدخل في التنفيذ كما حدث في السابق.
** حتي تدار الدولة عبر مشاركة شعبية واسعة وليس انفراد مجلس السيادة والجهاز التنفيذى بسلطات مطلقة مؤذنة بالاستبداد السياسى يتم في مؤتمر المائدة المستديرة ومنصة التأسيس قبل تكوين الحكومة الاتفاق علي مجلس تشريعى من 300 عضو دون محاصصة حزبية وجهوية وقبلية علي أن يكون للمستقلين من كل المهن والتخصصات خمسون بالمائة من عضوية المجلس مع التأكيد علي عضوية الشباب والمرأة خاصة الذين يمثلون الجيل الجديد. يختص هذا المجلس التشريعى بمراقبة أداء الجهاز التنفيذى والمشاركة مع السيادى فى التشريع واصدار القوانين واجازة الموازنة العامة والمشاركة في كافة السياسات الداخلية والخارجية وعلي وجه الخصوص وضع قانون الانتخابات الجديد الذى يرتكز علي نظام التمثيل النسبى المطلق علي المستوى الاتحادى باعتبار كل السودان دائرة انتخابية واحدة وليس عبر نظام الدوائر الجغرافية السابقة و يمكن علي المستوى الاقليمى تطبيق النظام المزدوج ( النسبى و الدوائر الجغرافية) حتى يتحقق التوازن والمشاركة الواسعة نتجنب بها الأخطاء السابقة فى المجالس التشريعية. كما يصدر المجلس التشريعى قانون الأحزاب الجديد حتى نتجاوز حالة التشظى الحالي للآحزاب.
** يجب تعيين المحكمة الدستورية بكل اختصاصاتها خاصة فى صيانة الحريات ومعالجة تضارب الاختصاصات بين المركز والأقاليم.
ماذا نفعل اذا رفض الجميع او أحد الاطراف الحل السلمي؟
هذا سؤال هام يجب النظر فيه بجدية ومسئولية وطنية ولا نترك للقوى السياسية وحدها والتي لاتمثل أكثر من ثلث سكان السودان أن تحدد وحدها حاضر ومستقبل الوطن فيستمر هذا الوضع المأساوى الذى لا يهدد السودان وحسب بكل من حولنا.
الحل في تقديرى أن يتحرك الشعب خاصة الحادبون علي سلامة واستقرار الوطن بقوة وعزيمة سلمية مثلما حدث في ثورة ديسمبر لفرض رؤاه وليس تركها لخلافات الساسة وحدهم بسبب الغيرة والحسد السياسي والرغبة في التحكم والسيطرة الأحادية والأجنبية علي مقدرات الوطن.

** الخلاصة
ان ماقامت به الحكومة المصرية من جمع كل اطراف الصراع لأول مرة منذ ثورة ديسمبر بل منذ 30 يونيو 1989 تحت سقف واحد هو عمل يستحق الاشادة والتقدير والقبول من الجميع سيما وان مصر هى الحكومة الوحيدة التي مكنت لجميع القوى السياسية اللجوء والتواجد في أراضيها والعمل فيها بحرية كاملة. ان البيان الختامي هو الحد الأدني الذي كرس المشتركات بين الجميع ومن ثم يتعين تطويره بالرؤى الثاقبة. بهذا حققت مصر قول شاعر سوداني (سلوا قلبي عن مصر) – وقال شاعر آخر: (مصر يا اخت بلادى يا شقيقة.. يا رياضا عذبة النبع وريقة ياحقيقة.. ملئ روحى انت يا اخت بلادى .. ولسوف نجتث من الوادى الأعادى..