يوسف عبد المنان يكتب _حديث السبت_ من وراء تعطيل قيام المجلس التشريعي؟

هل تمثل عودة بقال المعلنة بداية أم نهاية لحقبة جديدة؟

الطاهر حجر وسليمان صندل… وقصة زواج عرفي مع المليشيا

منذ شهرين، تم تشكيل لجنة برئاسة الفريق شمس الدين كباشي وعضوية الفريق ياسر العطا، ورئيس مجلس الوزراء كامل إدريس، وعضو المجلس السيادي صلاح رصاص، وذلك لإجراء مشاورات ووضع خيارات لتشكيل المجلس التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية الأولى والمعدلة، واتفاق الشركاء بعد أزمة التشكيل الوزاري الأخير.

كان المنتظر أن تمضي تدابير الانتقال المدني بعد تعيين رئيس الوزراء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، حيث تم تعطيل تشكيل المجلس التشريعي، إما بسبب تدخلات خارجية لها مصلحة في استدامة الحال الراهن، أو بسبب تضارب المصالح الداخلية.

ويبقى السؤال:
من هو المستفيد من تشكيل المجلس التشريعي؟ ومن هو المستفيد من تعطيله واستدامة الوضع الراهن؟

من مصلحة الفريق البرهان والنخبة العسكرية وحركات الكفاح المسلح أن تمضي تدابير الانتقال المدني بتشكيل مجلس وزراء مدني يقوده شخص مستقل مثل كامل إدريس، وتشكيل مجلس تشريعي يضطلع بمهام الرقابة والتشريع والمحاسبة.

كما أن للبرلمان الانتقالي دوراً خارجياً مهماً في استعادة عضوية السودان في اتحادات البرلمانات الدولية والإفريقية، لكن النخبة العسكرية الحاكمة يصعب عليها الفطام من لبن السلطة وعسلها.

ويبدو أن تمسك بعض القيادات، مثل الفريق إبراهيم جابر، برئاسة لجان تنفيذية من صميم اختصاصات رئيس الوزراء، مثل لجنة استعادة الأوضاع في الخرطوم، يُعد مؤشراً على رغبة بعض العسكريين في إبطاء عملية الانتقال.

وكان أعضاء مجلس السيادة قد جعلوا من أنفسهم مشرفين على الوزارات والهيئات، لكن بعد تعيين حكومة الدكتور كامل إدريس تم رفع الوصاية السيادية عن الوزارات، وهو ما يصب في مصلحة التحول الديمقراطي والانتقال المدني.

غير أن قوى المعارضة، بما في ذلك الجنجويد وتنظيم حمدوك وتحالف التغيير الجذري الذي يقوده الحزب الشيوعي، لهم مصلحة حقيقية في استدامة وضعية سيطرة الجيش على السلطة، ولذلك تجدهم أكثر عداءً لكامل إدريس وحكومته.

وقد عبّر عن ذلك فتحي الضو في مقاله الشتائمي ضد كامل إدريس بعد صمت طويل ومريب، إذ يبدو أن نشاط الحكومة المدنية في الأمم المتحدة أعاد بعض الأصوات إلى دائرة الخصومة السياسية العلنية.

نعم، تكتنف عملية اختيار المجلس التشريعي صعوبات بالغة وتعقيدات، لكن قطاعاً واسعاً من القوى السياسية، ومن الطرق الصوفية والإدارة الأهلية، يشكّل قاعدة يمكن أن تستند عليها لجنة الفريق كباشي لتكوين مجلس تشريعي ذي روح فاعلة.

شخصيات مثل التوم هجو، الناظر ترك، ناظر البطاحين محمد شريف طلحة، الناظر الزين ميرغني (من حزب الأمة المناهض للمليشيا)، الناظر أسامة ناظر البزعة، إضافة إلى سياسيين مستقلين مثل دمضوي إبراهيم، أمجد فريد، عسكوري، مبارك أردول، وقيادات أخرى مثل بشارة سليمان وعبد العزيز عشر، يمكن أن يشكّلوا نواة لمجلس تشريعي حقيقي يراقب الأداء الحكومي، ويجعل الانتقال نحو الانتخابات الطريق الوحيد للسلطة.

لكن المستفيدين من بقاء العسكر في السلطة، وكذلك قوى المعارضة المسلحة والمدنية، لهم مصلحة واضحة في تعطيل قيام المجلس التشريعي، فاجتمعت النقائض على إجهاض البرلمان الانتقالي.

(2)

أصبحت بلادنا امرأة مباحة فـ”ألف تشكرون”…

لم أجد أبلغ من وصف نزار قباني لحالنا، ونحن نبتلع في كل يوم طعماً مخابراتياً جديداً، رغم وجود جهاز مخابرات سوداني من أكفأ الأجهزة في القارة الإفريقية، وقد كان له دور محوري منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل وحتى اليوم.

فهل ما تردد منذ الأربعاء الماضي عن عودة المليشي إبراهيم بقال سراج إلى بورتسودان من صنع جهاز مخابرات السودان وتدبيره، أم من صنع أجهزة مخابرات أخرى ألقت في وجه الحكومة بعودة بقال الذي يمثل الوجه الكالح للمليشيا وأحد أكثر قياداتها تورطاً في تخريب النفوس وبث الكراهية وتشجيع النهب والتصفية الجسدية؟

كيف صُنعت ملهاة بقال سراج الذي فقد نصف عقله منذ أن خرج مطروداً من الصالحة على أيدي فرسان القوات المسلحة، دون أن يُتح له حتى أخذ حقيبته المليئة بملايين الدولارات وكميات الذهب والماس؟

خرج بقال من الصالحة وفي جيبه علبة تبغ، بعد أن بدّد في لحظة ما جمعه خلال ثلاث سنوات من مال الدعم السريع. ثم ظهر في تسجيل ساخر ملأ الدنيا قهقهة، قبل أن يصل إلى نيالا التي لم تحسن استقباله، بل صار موضع تندر بين العطاوة، الذين ينظرون إليه على أنه فلنقاوي (أي عبد كما يسمونه في مجالسهم).

ظل بقال، الذي كان يقدّم نفسه يوماً ما كـ”حاكم للخرطوم”، هائماً في شوارع نيالا يسأل الناس ثمن علبة تبغ، ثم طار إلى إنجمينا وقد خلع البدل الرسمية وعاد إلى ملابس الزغاوة التقليدية، وبث بعض المقاطع المصورة التي كانت مقدمة لشيء ما.

فهل العودة المزعومة هي خديعة جديدة لاستعادة بقال وضعيته داخل قوات الدعم السريع؟
أم أن وراءها أجهزة مخابرات عالمية تدرك الأثر الكبير لعودة بقال على تماسك الجبهة الداخلية، وعلى الجبهة الوطنية الداعمة للجيش في لحظة دقيقة يستعد فيها الجيش لحسم معركة كردفان؟

بقال، من حيث القيمة العسكرية، لا يعدو صفراً كبيراً، ولو كان العائد مثلاً عثمان محمد حامد (عثمان عمليات) أو أبشر بلايل أو اللواء حسن محجوب أو حتى الفوتي، لحق لمن حقق هذا الاختراق أن يباهي بما أنجز.

لكن بقال تجاوزته المرحلة الراهنة، وحاولت المليشيا غسل يديها من فظائع الدعم السريع وتقديم نفسها كـ”حكومة تأسيس”، فلم تعد بحاجة إلى أمثال بقال الذين يحملون على ظهورهم أوزار سنوات القهر والنهب في الخرطوم.

وقد تعدّت ردود الأفعال تجاه عودته التهديد بالمقاضاة إلى المطالبة بأخذ الحقوق باليد، وهي مرحلة خطيرة ما كانت البلاد في حاجة إليها لو تمت إدارة الملف بعقلانية وواقعية.

بقال، والطاهر حجر، والهادي إدريس، يمثلون الوجه الآخر لملهاة دارفور، وينظر إليهم العطاوة – أهل الحقوق الأصلية في الدولة المزعومة – على أنهم مجرد “أُجرِيّة” جاءت بهم فزعة الحرب وقبضوا ثمنها مالاً وفيراً، فلا حظّ لهم في سلطة التأسيس التي تمهد لدولة العطاوة.

وادعاء بقال أنه يقف مع أهله الزغاوة فرية لا يسندها منطق، فأين هو والطاهر حجر مما يجري في الفاشر من جرائم المليشيا التي تستخدم السلاح الكيميائي ضد الأبرياء؟

إن صحت عودة بقال في مقبل الأيام، فإنها ربما تشكّل بداية لحقبة جديدة يعود فيها كل من أجرم في حق الشعب من نافذة “العفو والصفح”، وإعادة رسم المشهد بما يتوافق مع مشروع الرباعية، أو تكون نهاية لمرحلة كان البرهان فارسها، وشمس الدين كباشي مخططها، وياسر العطا مقاتلها.
فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة؟

(3)

لماذا الترحيب بـ”كيكل” والرفض الواسع لـ”بقال”؟

كلاهما ولغ في دم الشعب السوداني، لكن الفارق بينهما كبير.

منذ أن رفع كيكل يده عن مليشيا آل دقلو، انخرط في قتالها بضراوة وشجاعة. وقد انضم إلى المليشيا في وقت سابق بقوة مسلحة، وعينته حاكماً على الإقليم الأوسط (ولاية الجزيرة).

وبشهادة والي الجزيرة الطاهر الخير، حافظ كيكل على المال العام، ولم تتعرض مدينة ود مدني للنهب الممنهج الذي اتبعته المليشيا في بقية المناطق التي سيطرت عليها. حاول كيكل كبح جماح المليشيا عن قتل الأبرياء، ووقعت بينه وبينها مواجهات مسلحة.

وبعد مفاوضات مع القيادة العليا، أعلن انسلاخه عن المليشيا، وخاض معركة تحرير الجزيرة بشرف وصبر حتى تحقق النصر. وكان جنوده وضباطه يمثلون قدوة للجندي المحترف، لا ينهبون ولا يسرقون.

أما بقال، فبأي رجال يعود؟ إنه مجرد بوق من أبواق المليشيا، أُسندت إليه مهام إعلامية بحتة، وكان لساناً ينطق بكل ساقط القول وكريه العبارات، وهو من نشر خطاب الكراهية العرقية.

فكيف يُغسل كل هذا التاريخ ويُسمح له بالعودة إلى بورتسودان؟

بقال ليس بحاجة إلى جواز سفر ليعود من إنجمينا، فـ”وثيقة سفر اضطرارية” كافية لإعادته، لكن ربما تحت السواهي دواهي…