الثاني والعشرون من رمضان ..العام الماضي ..كان كل شئ يسير كالمعتاد ..على الاقل بالنسبة لي ..يوم مثل باقي ايام رمضان ..لكن نهايته لم تكن كأي يوم آخر ..فقد ..اختفى ذلك الهدوء الذي كان يسود الارجاء فجأة لتحل مكانه اصوات طلقات بعيدة ..ودخان وغبار كثيف غطى سماء الخرطوم ..ترى ماذا دها بلادي ؟ ..
لا يعلم احد باللحظة الفارقة قبل وقوعها ..لا تقول لك الثواني ..ان توقف قليلا ..ذلك انه بعد برهة ..ستاتي لحظة تجعل الزمن فارقا ..ما بين الحرب وما قبل الحرب ..سيصبح التاريخ مختلفا ..ستحكي النساء في جلساتهن ..بان ذلك كان قبل الحرب ..او قبل السفر ..او قبل النزوح ..وما ادراك ما النزوح ..قصص وحكايات .تروى لأخر الزمان
الآن ..في مهجري هذا ..اتامل كل ما حدث ..واتابع بحزن كل خبر عن البلاد ..فلا تدور في ذهني الا عبارة واحدة ..ظلت تتردد طوال الأيام الفائته ..
عندما كنا صغارا ..كنا نلعب لعبة اسمها (هودنا) ..ولا ادري مرجعية الاسم ..ان كانت تعني الهدوء ..او التمهل ..انما كانت اللعبة تقسم اللاعبات الى فريقين يجلسن على الارض حول مستطيل به حفر صغيرة لا اذكر عددها..كل فريق يتكون من اثنين ..احداهن هي التي تدير اللعب وتمسك بيد رفيقتها خلف ظهرها ..هذه القائدة تكون قد اختارت في ذهنها احدى تلك الحفر وتريد ان تخبر زميلتها بها فتقرصها قرصة خفيفة في يدها من الخلف دون ان يدري الفريق المنافس الذي يجلس قبالتهم ..الذي عليه بدوره ان يحرز اي الحفر اختار الفريق المنافس
القائدة تردد اغنية طويلة لا اذكر منها غير بدايتها (هودنا يا هودنا) ..لكنها تنتهي بالعبارة التي ظلت تتردد في ذهني
(كان شبعت قول شبعت يا جنا )
و(جنا الجن) هذه لا تشبع من اول مرة او ثانية ..فالحفر كثيرة وربما يختلط عليها الامر ..وربما (غتاته) منها (ساي كدا ) ..تظل صامتة وهي تتابع يد القائدة (تقوم من حفرة ) وتقع في حفرة اخرى
ها انا ايضا في ذات الحالة ..اقولها ولا افتأ اعيدها
بعد اخراج اصحاب المنازل من ديارهم واحتلالها بغير حق ودفعهم للنزوح في كل بقاع الارض ..وبعد القتل والسحل والنهب ..والسرقة ..وكل ذلك التشفي الذي طال الجميع دون فرز ..
(كان شبعت قول شبعت يا جنا )
بعد كل ذلك الموت والدمار وهلاك الزرع والضرع ..والحريق الذي لم يفرق بين ممتلكات الأفراد ..والممتلكات العامة ..فتركها قاعا صفصفا
(كان شبعت قول شبعت يا جنا )
بعد التشرد والتمزق والتشتت في كل حدب وصوب ..بعد فراق الأحبة ..وموت الأعزاء و..استشهاد الاخيار ..وابتعاد الاقارب والاحباب
(كان شبعت قول شبعت يا جنا )
بعد التنقيب عن الديمقراطية داخل خزائن النساء وبيوت المواطنين العزل ..وداخل السيارات والمركبات العامة والخاصة
(كان شبعت قول شبعت يا جنا)
(كان شبعت قول شبعت يا جنا)
يبدو انها لن تتوقف في ذهني ..حتى يأذن الله لي بالفرج الله والبشاره التي ستأتي وتشفي صدور قوم مؤمنين .
انا لله وانا اليه راجعون
ليس لها من دون الله كاشفة
ناهد قرناص تكتب هودنا ..يا هودنا
