عندما نتحدث عن الوطن، يكفي أن ننصت بإمعان حتى نهاية الحديث. فإن الحديث عن الوطن له طعم مختلف، خاصة عندما يمر بظروف عصيبة ويتعرض لمؤامرات تأتي من دول الجوار أو من دول كانت تجمعنا بها علاقات
وثيقة. وهنا يأتي دور الدبلوماسية والسفارات في تخفيف التوترات وتعزيز التواصل.
أود التحدث عن دور الدبلوماسية السودانية في جيبوتي، تلك الدولة التي لها مكانة خاصة في قلبي، تتبعها محبتي لوطني العزيز. فالشعب الجيبوتي يحمل في قلبه مشاعر طيبة تجاه السودانيين، ويذكرهم بالكلمات الطيبة والدعوات.
لقد عانت الدبلوماسية السودانية في جيبوتي من الإخفاق لسنوات عديدة، إلا أن أحداث الحرب الأخيرة كشفت عن عمق التقدير والمحبة التي يكنها الشعب الجيبوتي للسودانيين. فقد كانوا يرفعون الدعاء لنا في المساجد، خاصة خلال خطب الجمعة، في تعبير صادق عن طيبة قلوبهم وأصالتهم.
وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى أهمية اهتمام القيادة السودانية، وخصوصًا وزارة الخارجية، بعملية اختيار السفراء. فقد أدى تعيين بعض السفراء ذوي الخبرة المحدودة إلى ضعف الأداء في عدد من الدول، وهو أمر يتطلب مراجعة دقيقة لتعزيز دور السودان الدبلوماسي وتحقيق مصالحه الوطنية بشكل أفضل.، مما قد ينظر إليه البعض كإهمال لأهمية تلك الدول. إلا أن جيبوتي، رغم صغر مساحتها، تُظهر أهمية استراتيجية كبيرة؛ فهي تضم العديد من القواعد العسكرية وتفرض قوانين صارمة تدل على قوة القيادة الحكيمة تحت رئاسة الرئيس إسماعيل عمر جيله، حفظه الله.
تلعب جيبوتي دورًا محوريًا في منطقة القرن الإفريقي، حيث تترأس منظمة “الإيقاد” وتستفيد من موقعها الاستراتيجي للمساهمة في حل الأزمات الإقليمية، بما في ذلك أزمة السودان. إذا تم طرح قضيتنا بشكل صحيح مع تسليط الضوء على انتهاكات قوات التمرد والدول الداعمة لها، فإن ذلك سيضمن جذب المزيد من الاهتمام الدولي وتوحيد الجهود حول حلول فعّالة تمنع بعض الدول المجاورة وغيرها من دعم التمرد.
منذ بداية الحرب في السودان، أخفقت قياداتنا الدبلوماسية في كل الدول المجاورة في تقديم موقف كافٍ يدين القوات المتمردة على الشعب السوداني ويبيّن آثارها السلبية على دول القرن الإفريقي من حيث النزوح والاضطرابات. نتيجة لذلك، لم تستطع دول القرن الإفريقي ومنظمة الإيقاد تصنيف هذه الحرب بوضوح؛ فقد رأوها كصراع داخلي بين جنرالين أو كصراع بين القوات النظامية، مما أثر على قراراتهم وإدانتهم تجاه القوات المتمردة.
أشكر السفير السوداني في جيبوتي، الأخ محمد سعيد، الذي تم تعيينه هذا العام وبدأ بممارسة دور دبلوماسي نشط بفضل خبرته الواسعة. فقد استعاد عافية الدبلوماسية السودانية خلال فترة لم تتجاوز الستة أشهر، وعمل من خلال تحركاته واتصالاته على توضيح أن الحرب في السودان تستهدف الشعب السوداني وتهدف إلى تغيير ديموغرافي. وقد استوعب الشعب الجيبوتي وقيادته هذه الحقائق، وقام السفير بزيارة السودان برفقة وزير خارجية جيبوتي الذي نقل رسالة من الرئيس الجيبوتي تدعو السودان للعودة إلى منصة الإيقاد، وأدان فيها التمرد وأعماله التخريبية.
يواصل السفير محمد سعيد جهوده عبر تنظيم ندوات وفعاليات تعزز العلاقات السودانية الجيبوتية. وقد شارك مؤخرًا في ندوة ومعه أبناء السودان المقامين في جيبوتي ، حيث تناول السفير الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودانيون نتيجة لهجمات التمرد. كما دعا جميع السفراء في جيبوتي لحضور مؤتمر صحفي لاطلاعهم على آخر التطورات في السودان والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات المتمردة.
صرح السفير محمد سعيد بأن مليشيا التمرد تقوم بأعمال نهب منظم واستقطاب مرتزقة من دول مثل تشاد، إفريقيا الوسطى، النيجر، مالي، وجنوب السودان، وتتلقى دعماً كبيراً من الإمارات وتشاد، مما دفع السودان إلى تقديم شكاوى ضدهما.
أضاف السفير أن التمرد له أجندات تخريبية تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية وممارسة أبشع أنواع القهر والابتزاز ضد المواطنين في عدة مناطق، دون أن يكون لهم أي ارتباط بجهة عسكرية رسمية. وأكد أن المجتمع الدولي يتابع الوضع عن كثب، وأن بعض الجهات كانت تراهن على سيطرة قوات التمرد، لكن صلابة الجيش السوداني أثبتت خلاف ذلك.
من خلال إقامتي في هذا البلد لمدة تقارب 14 عامًا، تعاقب على السفارة العديد من الطواقم، لكني أشهد بالحقيقة أن هذا الرجل قام بعملٍ ممتاز خلال فترةٍ صعبة مليئة بالتحديات، حيث أثبتت خبرته تأثيرها الإيجابي، وكان حقًا الرجل المناسب في المكان المناسب. ومن هنا، نأمل أن يتم اختيار السفراء بناءً على القدرات والخبرات والاهتمام بشؤون البلاد وشعبها. هذه فرصة لكل الأصدقاء العاملين في الحقل الدبلوماسي لتوضيح حقيقة الحرب الدائرة في السودان وتعريفها بصورة دقيقة، حتى يعرف العالم بشاعة أفعال القوات المتمردة ودورها السلبي الذي تخفيه وراء شعارات الديمقراطية التي لا تعرفها في واقع الأمر. ينبغي تجريمهم على أفعالهم ضد الشعب السوداني وكل من ساندهم.