في لحظة دقيقة من تاريخ السودان حيث تختلط التحديات بالأمل يصبح السؤال الملح كيف يمكن لعلاقات السودان الخارجية أن تتحول إلى رافعة إقتصادية حقيقية؟
الإجابة تبدأ من تفعيل ما يعرف بـ ”الدبلوماسية الاقتصادية“ وهي النمط من العمل الخارجي الذي يربط السياسة بالإقتصاد ويرى في السفارات والبعثات الدبلوماسية أدوات لدعم الإستثمار والتجارة والشراكات التنموية وليس فقط التمثيل السياسي والبروتوكولي.
*الدبلوماسية الإقتصادية: تعريف وأدوار*
الدبلوماسية الإقتصادية تعني إستخدام الأدوات والعلاقات الدبلوماسية من أجل تحقيق أهداف إقتصادية وتشمل:
• جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة.
• ترويج الفرص الإقتصادية المتاحة في البلاد.
• فتح الأسواق للصادرات السودانية.
• التمثيل الفعل في المؤسسات الإقتصادية الدولية.
• إزالة العقبات التي تواجه المستثمرين السودانيين بالخارج والداخل.
في هذا السياق يجب أن تتحول السفارات السودانية إلى منصات إقتصادية متقدمة تعمل بالتنسيق مع الوزارات المختصة وهيئات الإستثمار وتخدم أجندة وطنية واضحة.
*السودان بعد الحرب.. نافذة إقتصادية مفتوحة*
رغم الحرب وما خلفته من دمار فإن السودان لا يزال يتمتع بـ:
• موقع جغرافي إستراتيجي بين أفريقيا والعالم العربي.
• موارد طبيعية ضخمة (زراعة ومعادن ومياه وثروات غير مستغلة).
• رأسمال بشري واسع داخل وخارج البلاد.
• إحتياج دولي حقيقي لدعم مرحلة إعادة الإعمار.
وهذه العوامل تجعل السودان وجهة محتملة للمستثمرين إذا توفرت بيئة آمنة ورؤية دبلوماسية محفزة.
*القصور في الأداء الخارجي الإقتصادي*
حتى اليوم لا تزال أغلب البعثات الدبلوماسية السودانية تفتقر إلى وحدات متخصصة في الإقتصاد والتجارة كما لا توجد قاعدة بيانات إستثمارية متكاملة داخل السفارات أو خطط ترويج مهني للفرص الإقتصادية.
بل وفي كثير من الحالات تهدر علاقات سياسية جيدة لعدم وجود متابعة إقتصادية حقيقية ويترك ملف الإستثمار للمصادفات أو لمبادرات فردية غير مستدامة.
*نحو دبلوماسية إقتصادية فاعلة.. التوصيات الأساسية*
لبناء جهاز خارجي يعزز الإقتصاد يجب العمل على:
1. إعادة تدريب السفراء والدبلوماسيين على مفاهيم الإقتصاد الدولي والإستثمار.
2. إنشاء إدارات متخصصة للدبلوماسية الإقتصادية في وزارة الخارجية والسفارات. 3. إصدار دليل سنوي بالفرص الإستثمارية في السودان يوزع عبر البعثات.
4. إشراك رجال الأعمال السودانيين بالخارج في رسم السياسات الترويجية.
5. تحفيز السفارات على عقد منتديات وملتقيات إستثمارية منتظمة.
*المغتربون.. شركاء إقتصاديون في الدبلوماسية*
لا يمكن الحديث عن الدبلوماسية الإقتصادية دون الإشارة إلى ملايين السودانيين بالخارج الذين يمثلون جسورا طبيعية للتواصل والترويج وربط السودان بالأسواق العالمية.
ويجب إشراكهم بصورة منهجية عبر:
• مجالس إقتصادية للجاليات.
• شراكات مع غرف التجارة الدولية.
• مشاريع إستثمار جماعي للمغتربين في الداخل.
*خاتمة: السياسة وحدها لا تبني الدولة.. الإقتصاد يكمل المعادلة*
الدبلوماسية التي لا تخلق فرصا إقتصادية هي تمثيل ناقص والسفارة التي لا تفتح أبواب الإستثمار تصبح عبئا على ميزانية الدولة بدلا من أن تدعمها.
إن السودان الجديد يحتاج إلى دبلوماسية تنقذ إقتصاده لا فقط تجمل صورته فالإعمار يحتاج تمويلا والتمويل يحتاج ثقة والثقة لا تبنى إلا بمؤسسات تعمل وفق رؤية وكوادر مدربة وإرادة سياسية تضع الإقتصاد ضمن أولويات علاقاتها الخارجية.
*م. أحمد الدفينة*
*رئيس قوى الوفاق الوطني (وطن)*
*24 يوليو 2025م*