سمية سيد تكتب _ المركزي .. فرص نجاح ضبط سعر الصرف_1-2

تشير تقديرات غير رسمية إلى ان فاتورة الحرب على السودان خلال عام تزيد عن 100 مليار دولار ، وهي في ارتفاع مستمر بشكل يومي مما أدى إلى تدهور كبير وغير مسبوق في القطاع الاقتصادي .
بسبب استمرار الحرب شهد الجنيه السوداني انهيارا كبيرا امام العملات الحرة . منذ انطلاقة الشرارة الاولى منتصف ابريل 2023 بدأ سعر الدولار في قفزات عالية وصلت مداها الايام الماضية بوصول سعر الدولار الواحد إلى 3200 جنيه .
قد يرى البعض إلا غرابة في تدهور العملة الوطنية في ظروف الحرب ، وان كل الدول التي مرت وتمر بظروف مشابهة لما حدث في السودان من الطبيعي ان تشهد عملتها انخفاض كبير .. لكن الملاحظ ان تدهور الجنيه السوداني تكالبت عليه العديد من الأسباب الموضوعية والغير موضوعية ليصل إلى هذا الانهيار.
فبخلاف تمويل نفقات حرب الكرامة التي اجبرت الدولة على خوضها ، وتعرض الاقتصاد السوداني لصدمات كبيرة وشلل تام، وخروج اكثر من 89٪؜ من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي جراء نهب مليشيا الدعم السريع لفروع البنوك المختلفة . وبخلاف ازمة النقد الأجنبي التي خلقها انهيار قطاع الصادرات وخروج كثير من القطاعات عنّ دائرة الانتاج . وفقد تحويلات المغتربين المقدرة سنويا بأكثر من 5 مليار دولار . وتجميد الموسسات الدولية وأمريكا واوربا للمساعدات التي تم الالتزام بها في وقت سابق ، فهناك من العوامل الإضافية التي فاقمت من الأزمة وأسهمت في انهيار الجنيه مقابل العملات الاجنبية.
اهم هذه العوامل هي ارتفاع الطلب لاستيراد المواد البترولية واستيراد السلع الأساسية كنتيجة حتمية لتراجع الانتاج المحلي متزامنا مع تراجع الإيرادات المالية للدولة.
زيادة الطلب على الدولار لمقابلة الاستيراد أنعشت تجارة العملة بصورة غير مسبوقة . حتى الحكومة كانت تلجأ للسوق الأسود لتوفير العملات الحرة لاستيراد متطلبات الدولة ولمقابلة الاحتياجات الأساسية .
برغم تلك الظروف استطاع بنك السودان المركزي تنفيذ سياسات نقدية في محاولة لمحاصرة المزيد من عمليات تدهور الجنيه . كما عمل على تنظيم الائتمان والإقراض وادارة احتياطي العملة الاجنبية بالرغم من الشح الواضح .
البنك المركزي وبالرغم من استقلاليته وفقا للقانون الذي ينظم عمل البنوك المركزية عن الحكومات .لكن في هذه الحرب كان بنك السودان مساندا بشكل كبير وواضح لجهود الحكومة في معركة الكرامة ومواجهة الصعوبات الاقتصادية. واعتقد ان البنك المركزي يعمل الان لوضع استراتيجية يتبناها القطاع المصرفي لمواجه تحديات الاقتصاد وإعادة البناء بعد الحرب ، وهو امر يرجع إلى جهود تقوم بها عدة ادارات تحت إشراف محافظ البنك المركزي برعي آلصديق الذي يعمل في ظروف معقدة جدا.
إذا كان المطلوب من البنك المركزي ادارة السياسات النقدية لتحقيق الاستقرار النقدي والسيطرة على معدلات التضخم . بجانب الرقابة والإشراف على القطاع المصرفي لتحقيق الاستقرار في البنوك فمن المؤكد ان ظروف الحرب الاستثنائية هذه قد تحدث ضعفا في امكانية اداء كل تلك المهام بالكفاءة المطلوبة في ظروف الاستقرار العادية .
هذا الوضع خلق ضعفا في الكفاءة المطلوبة في ادارة السياسات النقدية فيما يتعلق بانفلات سعر الصرف والسيطرة على تضخم الاسعار.
انتبه البنك المركزي إلى وجود حوجة ضرورية إلى استنباط ادوات جديدة لمواجهة التقلبات المتسارعة في سعر الصرف ، وذلك باتخاذ سياسات نقدية تمكن من احتواء تدهور العملة الوطنية .. سياسات تختلف عن محاولات التدخل المباشر باتخاذ اجراءات ادارية قد تفاقم من المشكلة كما كان يحدث عبر المطاردات الامنية لتجار العملة.
لذلك تاتي اهمية الخطوة الذكية التي أعلنها البنك المركزي بإنشاء محفظة استيراد السلع الاستراتيجية بالشراكة مع بنك الخرطوم .
لكن هذه المعالجة لوقف تدهور سعر الصرف لن تكون كافية ما لم تتبعها خطوات مهمة اخرى وهذا ما سأشير اليه في الحلقة التالية.