الخبر الذي أوردته امس وكالة الصحافة الفرنسية بان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان طار في زيارة غير معلنة إلى جنيف التقى خلالها كبير مستشاري الرئيس الأمريكي لأفريقيا مسعد بولوس كان لها صدّا داخلي وخارجي كبير ، وحظي باهتمام بالغ من قبل عدد من الجهات السياسية والدبلوماسية برغم عدم الإفصاح من اي من الطرفين عن النقاشات لاي بنود او تفاهمات .
ما رشح من معلومات حتى الان يشير إلى ان الاجتماع تم بترتيب من قيادات عليا في دولة قطر ومشاركتها كمسهل بجانب دولتي مصر والسعودية واستثناء الامارات .
اجتماع الثلاث ساعات ناقش آليات وقف الحرب وايصال المساعدات الإنسانية ، كما تمت مناقشة مقترح للتفاوض المباشر بين السودان والإمارات في محاولة للوصول لتفاهمات لوقف التصعيد بين الطرفين
الاهم في لقاء البرهان – مسعد هو التأكيد على وجهة نظر السودان بضرورة عدم وجود مليشيا الدعم السريع في اي تفاوض بل خروجه من المشهد السياسي والعسكري ، ويبدو ان المفاوض الأمريكي وافق على هذا الشرط بدليل ما جاء في تغريدة مسعد بولوس على منصة اكس والتي هاجم عبرها مليشيا الدعم السريع على ما قامت به من انتهاكات في معسكري زمزم وابوشوك وطالبها بوقف الاعتداءات على المدنيين وتسهيل إيصال مواد الإغاثة .
من المهم ايضا الإشارة إلى عدة مكاسب من هذا الاجتماع واهمها ابعاد الامارات لاول مرة من مفاوضات بشان الحرب في السودان وهو من اهم مطالب الحكومة السودانية التي تصنّفها دولة معتدية وتضع شروطا واضحة للتفاوض الثنائي وليس كطرف وسيط بين الحكومة والدعم السريع . و لقد ذكر لنا الفريق البرهان ذلك في لقاءنا معه في اغسطس العام الماضي عندما سالته عن ما يدور في الساحة الإعلامية من مباحثات سرية مع الإمارات.
من مكاسب لقاء جنيف تاكيد الجانب الأمريكي على الحل السوداني السوداني ووقف التدخلات الخارجية ، والتوافق مع رؤية السودان التي حملها البرهان بتفكيك قوات مليشيا الدعم السريع
من المكاسب التي تحسب لصالح الحكومة ان تاسيس او صمود او اي جناح لقوى الحرية والتغيير لم تكن طرفا في الاجتماع .
كذلك الاعتراف الذي تحصل عليه رئيس مجلس السيادة بشرعية مؤسسات الدولة السودانية وهذا مؤشر بان ما تم في آخر ايام بايدن بفرض عقوبات على الفريق البرهان كقائد للجيش ليست ذات جدوى او انها ستخضع للتجميد .ودليل ذلك حديث مسعد بولس حول حرص الولايات المتحدة على بناء علاقات مباشرة مع السودان . وأنها تسعى للتعاون معه في مجال مكافحة الارهاب .
جنيف ٢٠٢٥ جاءت مختلفة تماما عن جنيف ٢٠٢٤ من حيث التوقيت والنتائج .
في اغسطس العام الماضي فشلت مباحثات جنيف بسبب رفض الحكومة السودانية المشاركة لان صيغة الدعوة نفسها جاءت للفريق البرهان بصفته قائد للجيش مما يشير لعدم الاعتراف بمجلس السيادة وشرعية الحكومة .
جنيف الاولى جاءت في ظرف قاس جدا بسبب تمدد مليشيا الدعم السريع في الجزيرة والخرطوم والنيل الأبيض وعدد من المدن والقرى .
كانت الإمارات متصدرة المشهد تحت ذريعة مسهل للمفاوضات لكنها في الواقع كانت تقوم بكل الأدوار من وضع بنود التفاوض والشروط حتى البيان الختامي وكان ذلك من اسباب انهيار المباحثات إضافة إلى وجود مليشيا الدعم السريع كطرف مواز للجيش ، بجانب وجود قيادات صمود .
لكل ذلك شهدت اجتماعات جنيف الاولى تحديات كبيرة ولم تكلل بالنجاح وفشلت في اهدافها المعلنة والتي كان اهم اجندتها تحقيق وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين .
من مفارقات جنيف الاولى ان مليشيا الدعم السريع التزمت بتوفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية ثم عمدت ليس بإعاقة إيصال المساعدات الإنسانية بل استخدام الغذاء كسلاح .. عمدت إلى تجويع مواطني دارفور وحاصرت الفاشر ليموت اهلها من نقص الغذاء او الاستسلام ولازالت تمارس ضغوطها اجتياح المدينة .
ومن المفارقات ايضا ان المليشيا التزمت بمدونة سلوك لقواتها لاحترام حياة المدنيين.لكنها مارست أبشع أنواع الانتهاكات ضد المدنيين في الفاشر قتلت وشردت واغتصبت النساء في معسكرات النازحين في زمزم وابوشوك.
مباحثات جنيف الاثنين ١١ اغسطس ٢٠٢٥ بين البرهان ومسعد بولوس جاءت في ظروف مختلفة بكل المقاييس .. صحيح الحرب لم تضع أوزارها بعد ولازالت معظم اجزاء دارفور ومناطق في كردفان تحت أزيز رصاص الجنجويد لكن المؤكد ان واقع المعركة على الميدان تحت سيطرة القوات المسلحة تماما . والصحيح ايضا ان ما تبقى تحت سيطرة المليشيا مسالة وقت للحسم .
الدولة السودانية تقف الان برغم الحرب على ارضية صلبة وموقف قوي على الصعيد الدولي والمحلي خاصة مع الاتهامات الموجهة من المنظمات الدولية للإمارات لدعمها الموثق للمليشيا التي ترتكب أفظع الانتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي في حق المدنيين العزل .
من المهم مساندة قيادة الدولة في مسعاها لايجاد حلول عبر الحوار والتفاوض من موقف قوة . كما ان التفاوض لا يعني وقف المعركة وإسكات صوت البندقية قبل نهاية التمرد
سمية سيد
كاتبة صحفية
رئيس تحرير شبكة اخبار السودان