قبل ان يستدل الستار على ولايته ختم جو بايدن اخر قراراته التنفيذية باعلان عقوبات على القائد العام رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. وزير الخارجية بلينكن الذي اعترف بفشل واشنطن في انهاء الحرب في السودان قال ان الجيش ( والدعم السريع) شريكان في الازمة الانسانية التي يعاني منها الشعب السوداني ..امريكا لم تجد ذريعة لتبرير فشلها في انهاء حرب السودان غير ان تساوي بين المتمرد حميدتي وقائد المؤسسة العسكرية الشرعية في الفعل .وهو الابادة واستخدام اسلحة محرمة دوليا في محاولة للتخفيف من رد الفعل العالمي لفشل امريكا في المساهمة في ايقاف حرب السودان.
ادارة بايدن اعتمدت في معلوماتها على تقارير صحفية نقلتها ( نيويورك تايمز) بان الجيش السوداني استخدم اسلحة كيمائية مرتين على الاقل ضد قوات ( الدعم السريع) لذلد جاء اتهام وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن للجيش بارتكابه جرائم حرب واستهداف المدنيين.
الضمير الانساني والاخلاقي لاي انسان سوي لا ولن يقبل استخدام السلاح وتوجيهه نحو المدنيين ناهيك ان تكون اسلحة كيمائية محرمة دوليا دون النظر الى الى ما يمكن ان يصدر من عقوبات من امريكا او اي مؤسسات دولية .
السؤال المهم
ما هي طرق الكشف عن استخدام دولة ما لاسلحة محرمة دوليا ؟
معلوم انها مسالة معقدة جدا تتعلق بمجموعة من الادوات والتقنيات والتعاون الدولي وليس مجرد تقارير صحفية ، او قرارات احادية .
التوصل للانتهاكات الخاصة باستخدام اسلحة كيمائية تعتمد على التحقيقات الميدانية .وزيارة المناطق المتضررة من النزاعات لجمع الادلة المادية والشهادات.
فحص الاسلحة والذخائر التي يتم جمعها من نطاق النزاعات .
مقابلة الشهود حيث يتم مقابلات مع الضحايا والشهود لجمع المعلومات حول طبيعة الاسلحة المستخدمة .
التحليل الاستخباراتي وذلك عن طريق تحليل صور الاقمار الصناعية للكشف عن انماط الاستخدام العسكري للاسلحة ونوعيتها .
انواع الادلة التي تدل على استخدام الاسلحة المحرمة دوليا لا تخضع للمزاج ولا المزايدات او الابتزاز كما في حالة قرار اخر ايام بايدن ..فلابد من ادلة مادية مثل شظايا القنايل والذخائر ..اثار الحفر الناجمة عن الالغام ..بقايا الاسلحة الكيمائية او البيولوجية ..شهادات الخبراء في مجال الاسلحة وليست مجرد تقارير من صحيفة معلومة التوجه والسياسات التحريرية
يتبع ذلك تحليلات علمية للعينات الماخوذة من مناطق النزاعات ..وتحليل الصور والبيانات الجغرافية .
فهل استخدمت واشنطن ادوات التحقق تلك وتم التاكد من استخدام الجيش السوداني للاسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين..
في ولايته الاولى العام ٢٠١٩ اكد بايدن ان واشنطن وبعد استخدام كل ادوات التحقق توصلت الى ما يؤكد ان محمد حمدان دقلو هو المسئول الاول عن مجزرة فض الاعتصام امام مقر القيادة العامة الذي خلف مئات الضحايا ، ولم تتخذ اي اجراءات ضد المجرم حميدتي ولم تفرض ضده عقوبات ثم ياتي بايدن الان ليضع نفس قائد الملشيا في مقام قائد المؤسسة العسكرية .
واشنطن تعي تماما الاهمية الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية للسودان لذلك تظل دوما وفي كل العهود ومنذ قبل انطلاقة شرارة الحرب في استحداث ادوات الضغط على الحكومة في السودان والتلويح بعصا العقوبات لتقديم المزيد من التنازلات بما يمكنها من تحقيق اهدافها المعلنة والغير معلنة.
على الحكومة ان تتخذ قرارها باسرع وقت ممكن بالتوجه شرقا بخلق تحالفات قوية مع روسيا والصين دون ان تهتم او تضع اي حساب لقرار بايدن على القائد البرهان الذي لا يمتلك شركات ولا حسابات بنكية بالخارج حتى تتاثر بالعقوبات.
امريكا التي تعمل كل ما بوسعها للتصدي للنفوذ الروسي الصيني في افريقيا فهي تتخوف من تاثير هذا النفوذ على مصالحها في المنطقة ..ففي ديسمبر العام ٢٠٢٢ وخلال القمة الامريكية الافريقية حذر وزير الدفاع الامريكي لويد اوستن القادة الافارقة من ان نفوذ الصين وروسيا يمكن ان يكون “مزعزعا” للاستقرار .
روسيا تبد اهتماما كبيرا بافريقيا وتعتبر ان اي وجود قوي لها في السودان يعزز من مكانتها في افريقيا و منطقة الشرق الاوسط وهي مناطق تقع في دائرة النفوذ الامريكي ..
الاهتمام الروسي بالسودان ليكون نافذة الاختراق الى افريقيا بدا بشكل واضح العام ٢٠١٤ ، وبرغم ان هذا الاهتمام لم تظهر له نتائج ايجابية كبيرة بسبب تردد الحكومة السودانية لكن تلاحظ ان الروس لم تفتر عزيمتهم تجاه خلق علاقات استراتيجية مع الخرطوم. ففي فبراير ٢٠٢٣ وقبل اقل من شهرين من اندلاع الحرب قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة الى عدد من الدول الافريقية ومن ضمنها الخرطوم .وشدد على اهمية تقديم بديل للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة .
قبل ان تاتى الولايات المتحدة بختام عقوباتها على قائد الجيش مسبوقة بعقوباتها على قائد المليشيا فان إعلانها ذلك على لسان وزير خارجيتها قبل ان يسدل الستار على إدارة بايدن لهو قبل كل ذلك شهادة رسوب لها في معالجة حرب السودان….
كان هذا الإجراء متوقعا منذ وقت بعيد في إطار سياسة الولايات المتحدة التى تساوى بين الجيش والمليشيا وتصور المشكلة بانها حرب بين جنرالين ، فأى اجراء كانت تصدره ضد الدعم السريع كان يعقبه اجراء مماثل ضد الجيش، وعندما عاقبت حميدتي أدرك الجميع أن مسك الختام سيكون برهانا ،كما كانت تكرر رغبتها في ان لاترى منتصر في الحرب فى الوقت الذي عجزت فيه ان تضغط عليً الدعم السريع لتنفيذ مقررات جدة وبلغت المفارقة قمتها فى انها فى الوقت الذى تقر فيه بان الدعم السريع ارتكب إبادة جماعية فإنها تعاقب قوات الموسسة الرسمية للدولة التى تدافع عن مواطنيها الذين يتعرضون لتلك الإبادة الجماعية.. هذه العقوبات ستطلق يد الحكومة للتحلل و لتجاوز المناورات الأمريكية والتركيز على حسم الجيش للمعارك ولذلك فإن هذه العقوبات ربما تخدم البرهان اكثر من ضررها المقصود امريكياً وتصوره بطلا قوميا يلتف الشعب حوله ، وقد قصدت الولايات المتحدة إرسال رسالة بحياد لها إلا ان قرارها رسالة ايضاً تبطن خلاف ذلك ،وفى النهاية فان هذه العقوبات التى اثبتت التجارب عدم جدواها بخلاف اثرها المعنوي المؤقت تدلل مجددا ان الولايات قد فشلت فى مباراة السودان، انتظارا لما يمكن أن ياتى به ساكن البيت الأبيض الجديد