منذ أن بدأت المحكمة الجنائية الدولية عملها في يوليو 2002 ظلت تطاردها الاتهامات باستخدامها سياسياً من قبل بعض الأطراف الدولية المتنفذة. ومع انتخاب المدعي الجديد للمحكمة في فبراير 2021 كريم خان ثالث مدعي عام، يحاول الرجل جاهداً أن يضع المحكمة في مسار قانوني وقضائي بحت، بيد أنه غدا يسير في طريق شديد الوعورة ويراهن البعض على أن الرجل إذا ما أصر على السير فيه سيجد نفسه مبعداً، أو على الأقل لن يحظى بإعادة انتخابه. ولعل الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية يناير الماضي تجاه قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب جرائمهم في غزة، مثلت نوعاً من الضغط المعنوي الكبير على المحكمة الدولية الجنائية وسببت لها حرجاً أو تحدياً كبيراً. وربما ذلك ما دعا خان لاحقا الطلب في مايو الماضي باستصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
على ذمة مواقع وصحف سودانية تناقلت الأسبوع الماضي خبراً مثيراً مفاده بأن كريم خان سيطلب من المحكمة الجنائية سحب أوامر القبض عن الرئيس السوداني السابق عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين ووالي شمال كردفان أحمد هارون، متى ما كان ذلك مناسباً، ووفقا للقانون. وضمن ما أفادت به تلك الصحف والمواقع؛ أن السبب الذي نقلته عن خان هو: أن البينات غير كافية لتقديم البشير، أو عبد الرحيم، أو هارون إلى المحاكمة. وشدد خان على أنه مستقل ولا يتدخل أحد في عمله. وحتى تتأكد صحة هذه الأنباء؛ فإن صحت، فإن كيمياء السياق الدولي – دبلوماسياً وإعلامياً – لا يسمح بنشر وتداول مثل هذه الأخبار بشكل واسع ومكثف، وتبقى في اطار التعتيم بسبب أن الإطار السياسي الذي تأسست عليه الحيثيات لا يزال يحكم كثيراً من تفاعلات الحاضر، فضلاً عن أن نظام الحكم صاحب المصلحة في الترويج والاحتفاء بذلك غير موجود، وبالتالي لا وجود لآلة إعلامية، أو عقل سياسي يقوم بذلك. في ذات الوقت يخضع المتهم علي كوشيب للمحاكمة أمام الدائرة الابتدائية الأولى -المحكمة الجنائية الدولية منذ 5 أبريل 2022 بناء على مذكرة القبض الصادرة ضده منذ عام، وهو مطلوب سلم نفسه طوعاً في يونيو 2020. وحتى الآن استدعى الادعاء ضده 56 شاهداً للمثول أمام المحكمة غير أن اصدار حكم نهائي ما زال يبدو بعيداً؛ رغم أن تقرير المحكمة الأخير ذكر أنه: من المحتمل أن تنتهي محاكمته في منتصف يونيو الجاري. بل تردد أن المحكمة تنظر في طلب براءة جزئية لصالحه من 4 تهم من جملة 31 اتهاماً مدوناً ضده.
ولعل خان على علم بما يجري حالياً في السودان الذي يبدو أن السلطات هناك قد أبدت تعاوناً مع المحكمة في اطار ترى أنه يحفظ سيادة البلاد ويستوعب تحفظاتها. ويبدو أن هذا التعاون (المحدود) قد بنى جسراً من الثقة بين الحكومة السودانية والمحكمة على الأقل من طرف خان تحديداً. فآخر تقرير لأنشطة مكتبه للفترة من أغسطس 2023 إلى يناير 2024 المحكمة ذكر بأن الحكومة السودانية قامت بتعيين جهة تنسيق جديدة للتعاون في أكتوبر 2023 ووافقت على إصدار التأشيرات لدعم بعثة لممثلي المكتب كان من المقرر القيام بها إلى بورتسودان، لكنها أرجئت من جانب المحكمة. كما أفاد التقرير بأن بعض طلبات المحكمة الموجهة للحكومة السودانية أصبحت متقادمة ولم تعد ضرورية بحكم تطور النزاع الدائر في السودان اليوم.
*وقفة تأمّل*: ما الذي يدعو لإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس الماضي، متهما بارتكاب جريمة حرب في أوكرانيا؛ بينما ينجو الرئيس الأمريكي السابق (بوش) من ذلك رغم الجرائم ضد الإنسانية في عهده في كل من العراق وأفغانستان؟!.
https://shorturl.at/W7ynF