دكتور أمير خير يكتب مرور عام على تمرد المليشيا في 15 أبريل: بذور الحرب والبحث عن السلام

المملكة المتحدة-amirahmed99@gmail.com

تعقدت الأوضاع السياسية في السودان عقب ثورة ابريل 2019 ضد حكومة الرئيس عمر البشير لتنفجر بصورة غير مسبوقة بعد مضى أربعة أعوام بالتمام في أبريل 2023 مهددة الكيان الوطني وملقية بظلال كبيرة على الحاضر والمستقبل.
في هذا المقال نركز على القضايا الهامة على صعيد الواقع السياسي السوداني المتأزم خلال فترة الانتقال من 2019-2023 والتي ساهمت بصورة كبيرة في الوصول لتلك الحالة التي افضت الى مواجهة عسكرية أدخلت البلاد نفقا مظلما ومجهول العواقب. نعبر من مناقشة تفاعلات الواقع السياسي الى استخلاص اهم محاور معالجة ازمات ذلك الواقع حتى يحافظ على سلامة السودان وكيانه.
يعالج هذا المقال الأحداث الهامة التي مهدت لحالة الحرب تحت العناوين الرئيسة التالية:
 الخلافات السياسية الحادة بين الشركاء الوطنيين حول مستقبل الانتقال في السودان.
 تطور الدعم السريع من قوة قبلية الى قوة نظامية قبل ان تتمرد على القوات المسلحة.
 انفجار 15 أبريل وتمرد الدعم السريع.
 مستقبل السودان ما بعد 15 أبريل.

.

الخلافات السياسية: التمهيد لحرب 15 أبريل

توحدت إرادة السودانيين في 11 ابريل 2019، و نجح تضامن القوى المدنية و المنظومة العسكرية في إنهاء حكم الرئيس البشير واعلان بداية مرحلة جديدة في تاريخ السودان.
تعقدت الأوضاع السياسية عقب الثورة، وبدأت مظاهر عدم التوافق على تفاصيل كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، حيث سعت القوى المدنية للاستفراد بالسلطة السياسية بعد ان طلبت ان يسلمها الجيش السلطة التنفيذية و السيادية، وهو أمر لم تكن المؤسسة العسكرية لتقبل به باعتبارها شريكا أصيلا في التغيير ، حيث كانت تطمح لتكرار تجربة مقاسمة السلطة مثل ما كان عليه الحال في انتفاضة أبريل 1985 و ثورة أكتوبر 1964.أمكن مؤقتا تجاوز ذلك الخلاف بتوقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019 والتي أفرزت الحكومة الانتقالية الاولى برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك.
بذر هذا الخلاف بين المكونين المدني والعسكري بذور خلاف تطور وتعقد وأدى في النهاية الى العصف بالفترة الانتقالية و ادخال السودان في النفق الحالي.

تحديات الحكومة الانتقالية
حققت حكومة الدكتور حمدوك نجاحات محدودة مقارنة بالتحديات الكبيرة التي واجهتها، تمثل ذلك فى نجاحها فى الانفتاح على العالم بالرغم من أنه لم يقدم لها دعما ماليا حقيقيا، بل اضطرت الحكومة الى اتخاذ اجراءات اقتصادية قاسية مستهدية ب(روشتات) الإصلاح الاقتصادي للمؤسسات المالية الدولية و كل ما تحمله من تقشف كبير و آثار اقتصادية على قطاعات واسعة اوصلت البلاد الى حالة من الركود الاقتصادي. تم تمرير تلك الاجراءات الاقتصادية فى وقت كانت القوى الشعبية بما فيها الحاضنة السياسية ولجان المقاومة تعارض هذا التوجه بل كانت ترفع توصياتها فى المؤتمر الاقتصادي فى سبتمبر 2020 برفض (روشتة) المؤسسات المالية الدولية.

برغم ما تمتع به الدكتور عبد الله حمدوك وحكومته بتأييد واسع الا انه سرعان ما برزت قضايا عديدة شكلت تحديا خطير للفترة الانتقالية، أهم تلك القضايا:
 استمرار عدم التوافق بين المكون المدني والعسكري.
 غياب التنسيق بين مؤسسات الحكم والتنافس على الاستئثار بالملفات الرئيسية للفترة الانتقالية.
 انشغال الجانب المدني بالمحاصصة الحزبية وتصفية الحسابات السياسية.
 إهمال استكمال مؤسسات السلطة الانتقالية التشريعية والعدلية.
 التنافس المحموم على خطب ود الحركات المسلحة فى اطار تعضيد المكاسب السياسية الآنية.
 تصاعد خلاف مكتوم بين الجيش والدعم السريع على قاعدة تمدد الثاني بصورة ملحوظة و تجاوزه منفستو القوة النظامية الى سعى لبناء (دولة داخل الدولة).

اتفاق جوبا: أعادة تشكيل التحالفات سياسية من جديد

أدى توقيع اتفاق سلام جوبا مع الحركات الدارفورية المسلحة فى 31 أغسطس 2020 الى إعادة تشكيل التحالفات في الساحة السياسية فى الفترة الانتقالية و زاد من الانقسام السياسي فى البلاد بين المكون المدنى و المكون العسكري وأدى الى بروز واضح للتنافس بين 4 مجموعات رئيسية من جانب المدنيين و العسكريين ؛ مجموعة الحرية والتغيير المجلس المركزى ، مجموعة الحرية والتغيير ( التغيير الديمقراطى) فى الجانب المدنى و ايضا القوات المسلحة و ( الدعم السريع) فى الجانب العسكري. غابت الرؤى التوافقية بين القوى الأربعة و لم تنجح فى الوصول الى قواسم مشتركة تدفع قدما بالفترة الانتقالية.
أدخل إتفاق جوبا تغييرات دستورية و سياسية كبيرة لم تأخذ حظها من النقاش و الاتفاق و أدت لزيادة رقعة الحلافات بين الشركاء الوطنيين.

وصول بعثة الامم المتحدة (يونتامس)
بدء العام 2021 بدخول الفريق المتقدم لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال ( يونتامس) القادمة أثر دعوة من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك للأمم المتحدة بوضع البلاد تحت الوصاية الدولية / البند السادس. أشعل هذا الطلب خلاف بين حكومة حمدوك و مجلس السيادة ، حيث ان دكتور حمدوك لم يبلغ مجلس السيادة بهذا الطلب فضلا عن عدم مناقشته في مجلس الوزراء أو مع الحاضنة السياسية – قوى الحرية و التغيير و لجان المقاومة .لم يكن بالإمكان تدارك تبعات ذلك الطلب بالرغم من محاولة الاستدراك على الخطاب الأول بخطاب ثانى يحدد الدور المطلوب للأمم المتحدة في توفير دعم لوجستي و فني للسودان إلا أنه بدأ واضحا تمسك الدكتور عبدالله حمدوك ووزراء في الحكومة بمضمون خطابه الأول برغم اعتراض المكون العسكري الشديد عليه و التوافق على تعديل الخطاب الأول بخطاب آخر للأمين العام للأمم المتحدة و لمجلس الأمن.

.

مبادرة حمدوك لحماية الانتقال

تنبه الدكتور حمدوك الى خطورة حالة التشظي السياسي و مالاتها و سعى الى تقديم مبادرة سياسية (مبادرة حماية الانتقال 22 يونيو 2021) و لكن لم تمضى المبادرة قدما، لقلة التفاعل السياسي معها حتى من جانب الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك ،فضلا عن افتقادها آلية فعالة لتسويقها و التعريف بها و إنزالها، و اهتمام من قاموا عليها بمخاطبة فريق سياسي واحد موال للسلطة و اقصائهم للآخرين، كما إنها لم تتوجه الى تحقيق إجماع قومي حول القضايا الوطنية.
ما لبث أن تعقدت العلاقة بين المكون العسكري و المكون المدني بصورة أكبر، إثر الخلاف حول تفسير المدى الزمنى للمواقيت المتفق عليها لتولي المكون المدني رئاسة المجلس السيادي حسب التناوب المتفق عليه و ما طرأ من تحديث بعيد إتفاق جوبا. جدير بالذكر إن الجيش قبل على مضض بمبدأ التناوب على رئاسة المجلس السيادي إبان مفاوضات الوثيقة الدستورية استجابة للضغوط الكبيرة عليه.
لم يكن اتساع الشقة بين المكون المدني و العسكري هو التحدي الوحيد بل صاحبه خلاف كبير بين القوى المدنية فى إطار اتهامات متبادلة بالاستفراد بالسلطة و الإقصاء و اتهامات مقابلة بالعمل على عودة النظام ( المباد) / السابق.
تفكيك وتصفية (نظام الثلاثين من يونيو 89) عبر أعمال لجنة التفكيك كانت محل شد و جذب كبيرين و أثارت تساؤلات كبيرة قانونية و سياسية من جانب كثير من المراقبين خاصة ما تم من مصادرات و ايقاف مؤسسات إعلامية واقتصادية و إحالة الآلاف للصالح العام، عمق كل ذلك من الاحتقان السياسي و انسداد الأفق بالبلاد.

حل الحكومة الانتقالية
لم يمض إلا عامين و يزيد قليلا على الحكومة الانتقالية حتى اتخذ رئيس مجلس السيادة قرارا بحل الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.
أدت إجراءات أكتوبر 2021 إلى تصعيد من جانب قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) و التي لجأت إلى الشارع لمقاومة ما وصفته ( بالانقلاب) و رفعت لاءاتها الثلاث (لا تفاوض -لا شراكة – لا شرعية).استمرت تلك المواجهات الى شهور عديدة صاحبها توتر سياسي و حالة من الشلل الاقتصادي أدى بدورها الى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية بالبلاد.
قامت مبادرات عديدة لرأب الصراع بين المكون المدني والعسكري، أفضت إلى توقيع اتفاق بتاريخ 21 نوفمبر 2021 أعاد الدكتور حمدوك الى موقع رئيس الوزراء، الا إن الحاضنة السياسية لرئيس الوزراء حمدوك رفضت ذلك الاتفاق كما رفضت استمرار التعاون مع الدكتور حمدوك مما أدى بالدكتور عبدالله حمدوك الى تقديم استقالته فى الرابع من يناير 2022 و مغادرة السودان.
المبادرات السياسية للتقريب بين المكونين المدني والعسكري
برزت خلال تلك الفترة من نوفمبر 2021 إلى ديسمبر 2022 العديد المبادرات السياسية، أبرزها المبادرة الثلاثية للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والايقاد بدعم الرباعية ( الولايات المتحدة/بريطانيا/ السعودية/ الامارات) و التى نشطت فى محاولات التقريب بين المكون العسكري و المدني ألا أنها لم تحقق نجاحات جدية بالرغم من نجاحها فى فتح ( نفاج) للتواصل السياسي بين المكون العسكري والمدني ظل مسدودا لشهور عديدة.
أخذ على الجهود الدولية و الاممية تماهيها الواضح مع فريق سياسي هو قوى الحرية و التغيير و التنسيق الكامل معها و دعمها فى مقابل المجموعات السياسية الأخرى و القوى العسكرية مما أدى الى خلق توترا ملحوظا بين الوساطة المنحازة و بقية المكون الوطني السياسي و العسكري.
سعى المكون العسكري فى يوليو 2022 الى اختراق الجمود السياسي وإعادة تموضعه بإعلانه العزم على الخروج من العمل السياسي وسعيه لتسليم السلطة الى المكون المدني مطالبا القوى المدنية بالتوحد. شككت بعض من القوى السياسية، أبرزها قوى الحرية والتغيير، في تلك الدعوة واعتبرتها دليل لعدم جدية و محاولة للالتفاف عليها.

الاتفاق الإطاري: تعقد الحلول
شكل الاتفاق الإطاري الموقع بين المجلس المركزى للحرية و التغيير و آخرين و المكون العسكري بشقيه الجيش والدعم السريع اختراق سياسي مهم كان بالإمكان تطويره قبل ان يصبح عاملا مساعدا فى بلورة انفجار 15 أبريل ، اذ أصرت القوى السياسية الموقعة على الاتفاق ممثلة فى المجلس المركزي على رفض انضمام أي قوى سياسية أخرى و رفض مناقشة اي أجندة جديدة فضلا عن دفع العلاقة بين الجيش والدعم السريع في اتجاه مزيد من التوتر بتناول قضايا خلافية حساسة مثل إصلاح المنظومة الأمنية و العسكرية ودمج الدعم السريع فى الجيش ، دون مراعاة لحساسية الأمر وتأثيراته.
عقد تمسك الدعم السريع بفترة زمنية تمتد من عشرة الى أربعة عشر عاما لإدماجه فى الجيش، عقد من الأوضاع ، و زادها تعقيدا خروج قادة الدعم فى خطابات سياسية انتقدت علانية قيادة الجيش واتهمتها بالتلكؤ في تسليم السلطة للمدنيين.
صاحب هذا الخطاب السياسي التحريضي من قادة الدعم السريع، تحركات عسكرية لقوات الدعم السريع وإعادة انتشار دون تنسيق مع اللجنة الأمنية و القوات المسلحة ، تمثلت فى إدخال الالاف المقاتلين الى الخرطوم و تحريك مركبات و قوات للتمركز حول قاعدة مروى الجوية و محاصرة قوات الجيش المرتكزة هناك. كانت هاتان الخطوتان كفيلتان جدا بإصابة العلاقة بين الجيش و الدعم في مقتل ، أعقبه انذار علني من الجيش للدعم السريع بسحب تلك القوات خلال 24 ساعة ، تفجرت بعده الأوضاع فى 15 أبريل 2023 ليدخل السودان مرحلة جديدة أبرز معالمها حرب شاملة داخل العاصمة القومية بصورة غير مسبوقة.

مسيرة الدعم السريع: من مجموعة قبلية الى قوة نظامية ثم مليشيا متمردة

شكلت مسيرة الدعم السريع وتطوره خلال أعوام قليلة محل نظر لدى المراقبين و محل شك فى أوساط عامة الشعب، اضف الى ذلك ارتباطه بأزمات و نزاعات و اتهامات عديدة خلال تلك المسيرة. مر الدعم السريع خلال نشأته و تطوره بمراحل عديدة شكلت نقاط تحول جوهري فى مسيرته.
تحول خطر الدعم السريع الذي لطالما حذر منه الكثيرون، تحول الى كارثة حقيقية فاقت كل التصورات، تحولت فيه القوة الى مليشيا تدير آلة قتل ودمار عملاقة لم تسلم منها أرواح المدنيين الابرياء و أعراضهم و ممتلكاتهم فضلا عن البلاد و مؤسساتها و منشأتها و دور الخدمات فيها.

مشكلة دارفور: نشأة الدعم السريع
بدأ (الدعم السريع) كمجموعة قبلية محدودة استنجدت بالدولة لحماية مواشيها فى أعقاب تعرضها لهجوم مسلح. وفرت الدولة غطاء قانونى و سلحت تلك المجموعات لتدافع عن نفسها و عمقها القبلي في وجه أي اعتداءات في إقليم نشطت فيه مجموعات وحركات مسلحة شكل كليهما تهديدا للأمن والسلم في تلك المجتمعات.
تقنين الدعم السريع
بعد نجاحات ميدانية ملحوظة تم استيعاب هذه المجموعات و تقنين أوضاعها فيما عرف بقوات حرس الحدود ثم الدعم السريع لاحقا و تم اجازة قانونها عبر البرلمان 2017فى و الذي عرفها بأنها ( قوات عسكرية قومية التكوين) و ( تقوم بدعم ومعاونة القوات المسلحة).هذان الشرطان كانا محل تساؤل واستفهاما كبيرين فى مرحلة ما قبل 15الحرب في ابريل 2023 ، اذ تمسك الدعم السريع باستقلاليته مدعوما بفريق سياسي كان يري فيه انن يكون بديلا للجيش القومي.
وجد الدعم السريع فى حاضنته الاجتماعية في القبائل العربية فى غرب السودان وامتداداتها في دول الجوار (تشاد/ مالى/ النيجر) مصدر مهما لمضاعفة قوته المقاتلة وساهمت الحوجة الكبيرة للجنود فى حرب اليمن فى تيسير استيعاب غير السودانيين و تجنيسهم و ضمهم للدعم السريع عبر ادارت (شرطية) مستحدثة تحت سيطرة الدعم السريع.
كما ساهمت حرب اليمن ومشاركة الدعم السريع فى إطار القوات السودانية المشاركة فى (التحالف العربي لدعم الشرعية فى اليمن) منذ مارس 2015 فى توفير تمويل كبير للقوات و زيادة التجنيد و رفع الجاهزية العسكرية. كما فتح الباب لتجنيد قيادتها و إدخالهم فى احلاف إقليمية جديدة تتجاوز المصلحة الوطنية السودانية ( تجنيد الامارات الدعم السريع لدعم حفتر في ليبيا).
توسع الدعم السريع عقب الثورة
تمكن الدعم السريع عقب ثورة ابريل 2019 من التمدد والتوسع بصورة ملحوظة عسكريا و سياسيا و دوليا مستفيدا من حالة هشاشة و ضعف مؤسسات الدولة الأمنية و الاستراتيجية و موظفا ارتباطاته الاقليمية و الأوضاع الجديدة عقب الثورة.
لوحظ التوسع الملحوظ فى علاقات الدعم السريع بدول ومنظومات و محاور دولية متجاوزا أجهزة الدولة فضلا عن تمدده بصورة كبيرة فى أنشطة إقتصادية كبيرة تتعلق بتعدين الذهب و (تهريبه).
فتحت الثورة السودانية امام قائد قوات الدعم السريع حميدتى الطريق لدخول المجلس العسكري ثم لمجلس السيادة قبل ان يعينه البرهان نائبا له، كما تم تكليفه من الحكومة المدنية برئاسة اللجنة الاقتصادية و التي أنيط بها ادارة الاوضاع الاقتصادية و تسلم ايضا ملف السلام مع الحركات المسلحة ، كل هذه التطورات ساهمت فى منح قائد الدعم السريع الفريق حميتى فرص مهمة كرسها فى تقوية موقع قواته و مكاسبها الاقتصادية و السياسية.
كما استطاع الدعم السريع تثبيت استقلاليته الاقتصادية عبر بنود صرف مباشر من ميزانية الدولة، فضلا عن مؤسسات اقتصادية و مالية تعمل تحت أمرته تمكنت من التغلغل في توريد سلع استراتيجية كالبترول وتصدير الذهب و المواشي و غيرها.
انقلب الدعم السريع على ادارة هيئة العمليات بجهاز الامن و المخابرات ، تلك الإدارة التي أشرفت على إنشاءه و تدريبه و تسليحه ، و أسهم بصورة مباشرة فى حلها و تسييل أصولها بل والاستيلاء عليها و على مقارها فى إطار تثبيت الدعم السريع و نقل قواته الى الخرطوم.

.
الدعم السريع : تمدد أفقي و تقهقر راسي
برغم التمدد والنمو المطرد للدعم السريع منذ إنشائه فى 2013 وحتى أبريل 2023 ، ظلت هناك حواجز مهمة من عدم الثقة بينه و بين قطاع واسع من قيادات وسيطة و عليا فى القوات المسلحة و التي كانت تنظر بالكثير من عدم الرضا لما حازه الدعم السريع من امتيازات و نموه خارج إطار الجيش الوطني و دون الالتزام بالأصول العسكرية وقد حدثت مواجهات عديدة بين ضباط كبار فى الجيش السودانية و قيادته فى شأن الدعم السريع انتهى بعضها بإحالة هؤلاء الضباط الى المعاش بقرار من البشير و لاحقا من البرهان و في بعضها بتوصية مباشرة من حميدتى نفسه.
أما ابرز محطات الدعم السريع عقب ثورة أبريل فكانت دوره الرئيسي فى فض اعتصام الشباب أمام القيادة العامة للقوات المسلحة فى 3 يونيو 2019 و الذي نتج عنه مقتل عدد من الشباب . ظلت هذه القضية إحدى القضايا التى دمغت مسيرة الدعم السريع بالعنف و القتل و أسست جدار عال من عدم الثقة بينه و بين قطاعات واسعة من الشعب السوداني.
توترت العلاقة بين المكون العسكري (بما فيه الدعم السريع) و المكون المدني ، تحديدا المجلس المركزي للحرية والتغيير انتهت بالإطاحة بالحكومة الانتقالية فى 25 اكتوبر 2021 , حيث بدأت بعدها مرحلة جديدة فى علاقة الدعم السريع بالفرقاء السياسيين.
سعى الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية الى إقامة علاقات سياسية مع المكونات القبلية والاجتماعية و التقليدية فى محاولة منه لفك الحصار السياسي عليه الا ان تلك المحاولات لم تفلح في فك طوق العزلة السياسية حوله.
الاتفاق الإطاري و تمرد الدعم السريع
في يوليو 2022 أكد الدعم السريع التزامه مع القوات المسلحة بالخروج من العملية السياسية و تسليم السلطة للمدنيين كما شارك الدعم السريع فى المفاوضات السياسية برعاية يونتامس و الالية الرباعية مع القوى السياسية والتي افضت الى توقيع الاتفاق الإطاري في 6 ديسمبر 2022.
ساهم الاتفاق الإطاري فى تصعيد الخلاف بين قيادة الجيش والدعم السريع ، اذ بانت نوايا الدعم السريع فى المضى قدما فى طريق الاستقلال عن الجيش السوداني ، بان يصبح جيشا موازيا .تم هذا الأمر هذه المرة فى إطار تحالف سياسي بائن و تنسيق مع قوى الحرية و التغيير، التي ظلت على خلاف كبير مع المكون العسكري منذ قيام الثورة مرورا بأكتوبر 2021.
تم كل ذلك فى إطار دعم دولي خارجي ضاغط عقد من الأوضاع وسارع فى بلورة مفاصلة كاملة بين الجيش والدعم السريع. صاحب هذا التطور المهم تحركات عسكرية كبيرة لقوات الدعم السريع اولا بتحريك قوات كبيرة للخرطوم وثانيا بتحريك قوات ومركبات عسكرية لتحاصر قاعدة مروى العسكرية الجوية، كل ذلك بدون تنسيق مع القوات المسلحة مما عد تمردا عسكريا مكتمل الأركان.

إنفجار 15 أبريل- تمرد الدعم السريع

أدت الخلافات السياسية الحادة الى حالة من الاستقطاب والاحتقان و عدم الاستقرار مهد لمزيد من التدهور فى تماسك الجبهة الداخلية، أضف الى ذلك نشأة الدعم السريع و ما صاحبها من أخطاء وتجاوزات استراتيجية ثم تمدده لاحقا و تضخمه بصورة كبيرة عقب الثورة و انحرافه بصورة كبيرة نحو تجارة المعادن النفيسة و الذهب و دخوله فى خضم تقاطعات دولية و إقليمية، كل ذلك مهد لانفجار 15 أبريل .
كان واضحا عقب توقيع الاتفاق الإطاري فى 6 ديسمبر 2023 إن الدعم السريع قد اختار مسارا جديدا ، بدأ و كأنه فى حالة تنافس مستعرة و صراع حاد مع قيادة الجيش ، مع انحياز واضح للكتلة السياسية البارزة فى المجلس المركزي قوى الحرية والتغيير أحد الفصيلين المدنيين المتنافسين و الاكثرتاثيرا في الساحة السياسية.
فى فجر 15 أبريل تحركت قوات الدعم السريع لتنفيذ قرار استراتيجى اتخذ مسبقا بالانقلاب و الاستيلاء على القيادة عبر ضربة عسكرية مباغتة خطط لها بدقة مستفيدا من تموضعه في مواقع استراتيجية فى العاصمة الخرطوم. حقق الدعم السريع في الساعات الاولى للحرب عبر ضربة خاطفة نجاحات مهمة باستيلائه على القصر الجمهوري و بعض مراكز قيادة الجيش بعد معركة عسكرية قصيرة استشهد فيها أربعين من ضباط و جنود الكتيبة الرئاسية استبسلوا فى الدفاع عن القيادة العليا للجيش.
حركت القوات المسلحة وحدات قتالية استراتيجية مثل المدرعات و الطيرات لضرب معسكرات و مواقع تمركز قوات الدعم السريع و احدثت فيها خسائر كبير.
شعارات المليشيا:
سعت المليشيا الى تسويق حربها عبر طرح عدد من الشعارات عن جلب الدولة المدنية ، محاربة سيطرة فلول النظام السابق على الجيش و محاربة سياسات دولة 56 و ادعاء تفضيلها لمواطنين دون آخرين.
لم تجد تلك الشعارات تعاطفا شعبيا بل على العكس فقد هزمت ممارسات قوات المليشيا و جرائمها ضد المواطنين هزمت دعاوى الدولة المدنية .كما إن دعوتها بمحاربة سيطرة الفلول لم يجد اذان صاغية باعتبار نشأة الدعم فى حضن النظام السابق و ارتباطه به كما إن الحديث عن دولة 56 ففهم كمحاولة غير ناجحة للحديث عن تمييز ما. هذا مع ملاحظة حرص حميدتى على أن يمثل الدولة فى مفاوضات السلام بجوبا فى 2020.

الدعم السريع وجرائم الحرب
كان التطور الأبرز فى مسار تمرد الدعم السريع دخوله المؤسسات الخدمية والحكومية و المستشفيات ثم مساكن المواطنين فى العاصمة الخرطوم. صاحب اقتحام بيوت المواطنين والمؤسسات العامة والخاصة و المحال التجارية و البنوك عمليات نهب واسعة قام بها أفراد تلك القوات قبل ان يفتحوا الطريق لعصابات النهب المحلية لتجهز على ما تبقى من الممتلكات.
افرز واقع الحرب هجرة كبيرة لمواطنى ولاية الخرطوم وغرب دارفور الى الولايات الاخرى فضلا عن نزوح كبير الى مصر و تشاد .تمت عمليات إجلاء واسعة قامت بها قوات عسكرية لإجلاء الأجانب عبر القاعدة العسكرية فى وادى سيدنا و مدينة بورتسودان .ظلت معظم ولايات السودان أكثر هدوء و سلاما حتى قامت قوات الدعم السريع باعتداءات واسعة و تصفية عرقية فى مدينة الجنينة فى ولاية غرب دارفور ضد السكان المحليين من قبيلة المساليت و هجرت الآلاف منهم الى تشاد و قامت باغتيال والى ولاية غرب دارفور.
زاد تمركز الدعم السريع داخل المناطق السكنية والخدمية فى العاصمة القومية من تعقيدات التحركات العسكرية لحسم التمرد ، حيث احتمت تلك القوات بهذه المؤسسات و اتخذت لها مواقع حصينة فى منازل المواطنين و نقاط للقناصة تهاجم منها القوات الحكومية .ما أصاب المؤسسات القومية و الوطنية لم يكن بأقل فداحة فقد اتخذت قوات الدعم السريع من المستشفيات و المؤسسات الحكومية مقار لها و مارست التخريب والتدمير بحق تلك المؤسسات الحكومية كدار الوثائق و متحف السودان القومى و عدد من المصارف والمؤسسات المالية والحكومية من معاهد ومستشفيات ومؤسسات تعليم عالى أسفرت عن دمار كبير لتلك المؤسسات.
ثم تمددت مليشيا الدعم السريع فى ديسمبر 2023 فى ولاية الجزيرة التي شهدت عمليات نزوح كبيرة الى سنار و الفاو و القضارف و بورتسودان مع بدء اجتياح قوات المليشيا.مارست المليشيا فى مدن و قري الجزيرة نفس السلسلة من جرائم الحرب التى مارستها حيثما دخلت من نهب و سرقة و زادت عليها باعتداءات مشهودة على المواطنين العزل و القري الامنة التي شهدت مقاومة محدودة تفوقت عليها المليشيا بتسليحها المتطور فسقط العديد من أبناء تلك القري جرحى و شهداء.
التدخل الخارجى فى الحرب لدعم مليشيا الدعم السريع:
شهدت الحرب الحالية تدخلات كبيرة الى جانب مليشيا الدعم السريع وفرت لها دعم لوجستى و عسكري و دبلوماسى كبير مكنها من الاستمرار الممنهج فى تدمير بنية الدولة السودانية و التورط فى المزيد من جرائم التصفية العرقية و جرائم الحرب من قتل و إغتصاب و نهب و تشريد المواطنين العزل.
جاء الدعم الاكبر و ألابرز للمليشيا المتمردة من دولة الامارات العربية المتحدة عبر دولة تشاد و التى وفرت شريان حياة مهم من عدة و عتاد و تجهيزات عسكرية عبر مطار أم جرس فى تشاد و هو ما أثبتته تقرير خبراء الامم المتحدة عن حظر تصدير السلاح الى دارفور فى يناير 2024.
صاحب الدعم ألاماراتى دعم دبلوماسى إقليمى ، بتنسيق اماراتى ، قامت به دولتا إثيوبيا و كينيا ، الاولى مدفوعة بحنق كبير على الجيش السودانى و إنفتاحه فى الفشقة و طرده عصابات الشفتة الاثيوبية بالاضافة الى مباركته التنسيق مع مصر فى شأن سد النهضة فى مقابل تماهى حميدتى مع الاجراءات الاثيوبية في قضيتى الفشقة و سد النهضة ، أما الرئيس الكينى فقد عرف بمصالحة المالية المباشرة مع حميدتى و خاصة إبان حملته الانتخابية.
واجه السودان التحركات الاثيوبية الكينية المساندة للمليشيا فى اروقة الاتحاد الافريقى و الايقاد كما قدم فى 28 مارس 2024 شكوى مكتوبة للامين العام للامم المتحدة ضد الامارات بسبب دعمها المباشر لمليشيا الدعم السريع التى ارتكبت جرائم كبيرة ضد الانسانية.
أما البعد الخارجي الاخر فى دعم المليشيا فكان باستجلابها أعداد كبيرة من المرتزقة المدربين من ليبيا و تشاد و النيجر و مالى و جنوب السودان و أثيوبيا للقتال مع المليشيا مقابل وعود مالية كبيرة. ساهم مقتل زعيم مجموعة فاغنر الروسية فيكتور وفيتش بريغوجين فى اغسطس 2023 فى تحجيم دور المجموعة بعد ذيوع أدلة كبيرة على تدريب المجموعة للمليشيا فى استخدام أسلحة متطورة فى معاركها ضد الجيش السودانى.
الاستنفار الشعبي والمقاومة الشعبية المسلحة:
شاركت اعداد مقدرة من المستنفرين فى دعم المجهود الحربي للقوات المسلحة إلا إن الاعتداءات الواسعة التى مارستها مليشيا الدعم السريع ضد المواطنين أدت الى شيوع المقاومة الشعبية المسلحة و إنتشارها فى فترة وجيزة على طول البلاد حتى فاقت أعداد المتطوعين و المستنفرين القدرة الاستيعابية للقوات المسلحة السودانية.
عبر الكثيرون عن خوفهم من إنفلات أمنى فى المستقبل بسبب إنتشار السلاح و هو أمر سيتوجب التعاطى معه لاحقا بعد حسم المليشيا المتمردة و كسر قدرتها على مهاجمة المواطنين الأبرياء العزل.
كما يطمح البعض الى تطوير صيغة المقاومة الشعبية لتكون هى الحاضنة الجديدة التى توفر الدعم السياسي لحكومة الكفاءات المنتظرة.
مستقبل السودان ما بعد 15 ابريل
دخل السودان بعد حرب 15 ابريل فى مرحلة حرجة تهدد وجوده و كيانه مما يحتم مقاربات و معالجات عاجلة وحاسمة لقضية الحرب و مسبباتها وما لازمها من خلاف سياسي حاد و ما يتعلق بأوضاع قوات ( الدعم السريع ) عقب تمردها.
اثبتت الايام ان التعاطي الجمعى مع الأوضاع السياسية و العامة المعقدة إفتقد للحكمة المطلوبة و لم يكن ناجعا بل وانتهى بالبلاد الى الوصول الى تلك الأوضاع الخطرة من انفجار 15 أبريل و ما بعدها.
ارتفعت نداءات كثيرة تنادي بوقف الحرب والحوار للوصول الى تفاهمات ، يحدث هذا فى وسط تأييد شعبي واسع لعمليات الجيش السودانى و التى استهدفت مواقع المليشيا المتمردة. مع ذلك يدرك الكثير من السودانيون أن التفاوض هو الملاذ الأخير لاستدراك مآلات الحرب والاتفاق على ما يليها من ترتيبات. هذا مع ملاحظة ارتفاع التكلفة الإنسانية و الاقتصادية للحرب و ازدياد أوضاع السودانيين تعقيدا سواء من لجأ إلى دول الجوار أو نزح داخل بلده.
من المهم ملاحظة أن الحرب قد حسمت للطرفين و لم يعد هناك مبررا لاستمرار هذا الاستنزاف؛ فقد فشل الدعم السريع فى اعتقال الفريق البرهان و سجنه و محاكمته مع قادة الجيش الاخرين كما كان يطمح وتحققت للجيش أهدافه فى حسم القوة الاستراتيجية للدعم السريع بعد ما اتخذه من إجراءات إعلان حلها و تجميد كافة أصولها ثم توجيه ضربات عسكرية مركزة أصابت البنى التحتية و مراكز القيادة و السيطرة للدعم السريع نتج عنها فقد العديد من قيادات الصف الأول و تحولها من قوة شرعية كانت جزء من كيان الدولة الى مليشيات، سيكون عليها التعامل مع كثير من الارتدادات القانونية محليا و دوليا فى ظل الجرائم العديدة التى ارتكبها أفرادها ووثقتها هيئات محلية و دولية و أممية (تقرير المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة-14 نوفمبر 2023).

التفاوض مع المليشيا المتمردة:
مرت المفاوضات بين الجيش السودانى و مليشيا الدعم السريع بمحطات عديدة:
 مفاوضات جدة الأولى :بدأت تلك المفاوضات خلال أيام وجيزة بعد بدء الحرب و نجحت فى الوصول الى إتفاقات لوقف إطلاق النار بيد أنه لم يصمد كثيرا بسبب خروقات واسعة شهد بها المواطنون فى الخرطوم قامت فيها المليشيا بتحريك قواتها و نقل العدة و العتاد لها.ثم تبعه إتفاق لخروجها من الاعيان المدنية و المدن و تجميع القوات ألامر الذي لم تلتزم به المليشيا التى وسعت من مناطق حربها و احتلالها للاعيان المدنية.
 مفاوضات جدة (2):هدفت جدة 2 الى متابعة ما تم عليه الانفاق مسبقا و فشلت فى الاتفاق على آليات محددة تخدم تنفيذ الاتفاق السابق كما فشلت فى بناء اجراءات ثقة بتوسيع الدعم السريع لدائرة الحرب.
 إعلان أديس أبابا:وقعت بعض القوى السياسية و تحديدا تلك المنضوية تحت ( تقدم) / امتداد الحرية و التغيير ، وقعت إعلانا سياسيا مع مليشيا الدعم بتاريخ الثانى من يناير 2024 .وجه الاتفاق بكثير من النقد حتى من داخل القوى المكونة ل ( تقدم) و ذلك لتجاوزه واقع جرائم الحرب الواسعة التى قامت بها مليشيا الدعم السريع و إعتماده كشريك للحل و محاولة شرعنه إعادة دمجه عسكريا و سياسيا فى الواقع الوطنى.و قد تبع الاعلان إعتداءات كبيرة فى الجزيرة قامت بها المليشيا مؤكدة مرة أخري إجرامها .
 وساطة إيقاد:فشلت إيقاد فشلا ذريعا فى تحقيق أى تقدم فبرغم إعلانها ترتيب لقاء مباشر بين البرهان و حميدتى إلا أنها لم تنجح فى عقده فى الوقت المحدد و عوضا عن ذلك استقبلت قائد المليشيا فى زيارات تم إستقباله رسميا مما أثار حفيظة السودان و إنتهى بتعليق السودان عضويته فى إيقاد و فشل وساطتها.
 مفاوضات المنامة:جرت مفاوضات المنامة بين الفريق أول الكباشى نائب القائد الام و عبدالرحيم دقلو نأئب ثانى المليشيا بوساطة سعودية ، أمريكية ، مصرية و سعودية. أبرز بنود مشروع الاتفاق المطروح كانت إعادة الأوضاع الى ما قبل 15 أبريل 2023 قبيل إندلاع الحرب و هو ما لاقى رفض قاطع من الفريق البرهان وقيادة الجيش .
 المفاوضات القادمة:لا تبدو فى الافق آجال جديدة للمفاوضات القادمة و لكن على أى حال سيكون من الصعب تجاوز الاتفاق السابق فى مفاوضات جدة كما إن عودة الدعم السريع لما كان عليه قبل 15 أبريل 2023 قبيل إندلاع الحرب يبدو مستحيلا هذا مع إستمرار هجمات وجرأئم الدعم السريع و ممارساتهم ضد المواطنين. من المهم ممارسة ضغوط على القوى الداعمة للدعم السريع و تحديدا دولة الامارات العربية المتحدة لوقف دعمها للمليشيا و قدرتها على مواصلة الحرب.
حوار القوى المدنية حول مستقبل السودان:
غابت خلال فترة الحرب بل حتى قبلها الحوارات السياسية بببين القوى المدنية للوصول الى اتفاقات و تفاهمات وطنية بين القوى المتنافسة مما يما يساهم في تطاول حالة الصراع و الحرب.
يبدو الدرس الأهم للقوى الوطنية كافة عبثية المسارات الحالية بعد ان اثبتت فشلها مرة بعد أخرى و اثبتت ان المواقف المتشددة دون النظر الى المصالح القومية العليا لم تخدم قضية و لم تحقق نتيجة. من هنا لم يعد هناك اي مجال لاستمرار أي من تلك المقاربات القديمة ولم يعد هناك مجال الا بتخلي الكل عن مواقفه واشتراطاته و خطوطه الحمراء السابقة ليبدأ الجميع صفحة جديدة هدفها إيجاد حلول عاجلة و مستدامة تجنب انزلاق البلاد الى درك سحيق.تستلزم ضرورة إيجاد مقاربات وحلول جديدة صعود لاعبين جدد و قيادات مجتمعية شبابية واعية و جديدة.
حسمت حرب 15 ابريل موقع الدعم السريع من الشرعية وتحول بفعل حملته العسكرية الى موقع جديد بعيد عن شرعية الدولة وغطاءها الدستوري. يشعر كثير من السودانيين بالارتياح لذهاب شرعية سلاح الدعم السريع الذي لطالما نظروا له بكثير من الريبة.
أيضا لابد على التأكيد هنا الى حاجة السودان لاستكمال عملية السلام مع (الحركة الشعبية شمال) جناح الحلو و حركة (تحرير السودان) جناح عبدالواحد محمد نور فضلا عن استكمال اتفاقية سلام جوبا و مراجعتها وفق التطورات الجديدة.
بكل الأحوال يبقى رأس الرمح فى معالجة أوضاع السودان الوصول الى تفاهمات وطنية توافقية بمشاركة كافة الوان العمل السياسي تحوز اجماع و رضا الغالبية تحفظ السلام و الأمان و تضع البلاد على سكة الانتقال الديمقراطي.
تأخر هذه التفاهمات الوطنية يعنى استمرار الحرب التي تتغذى على التناقضات و الخلافات العميقة بين القوى السياسية المدنية ووصول تلك التفاهمات الى غاياتها كفيل بتوحيد الجهود الوطنية لإيقاف الحرب و بدء مرحلة جديدة فى تاريخ السودان.

معالجة آثار الحرب:
خلفت الحرب آثار ضخمة إنسانية ووطنية واقتصادية وسياسية:
أكبر هذه الاثار هى حالات النزوح الكبيرة للمواطنين وتوقف مصادر رزقهم.
تخريب مؤسسات الدولة الخدمية من مؤسسات صحية ومدارس، وبنوك، ومؤسسات وغيرها.
فقدان كثير من المواطنين لممتلكاتهم واموالهم وتعرضهم لنهب منظم.
اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى من القوات النظامية والمواطنين ووجود كثير من الاسري بحوزة المليشيا.
تخريب القطاعات الاقتصادية والانتاجية من مصانع ومصافي ومحطات مياه و كهرباء ومحطات ضخ للبترول.
تدهور صحة البيئة من مخلفات بشرية ومادية وآثار دمار وخراب.
تحدى السلام ووقف الحرب وإعادة الحياة تحدى كبير يحتاج الى تضافر الجهود الوطنية ووضع خطة عاجلة و معالجات محكمة حتى يمكن تجاوز هذه المرحلة ووضع السودان على المسار الصحيح.
سرعة خروج السودان من دائرة الحرب الى رحاب السلام لن يتم الا بالالتفاف حول المؤسسة القومية الاهم ممثلة في القوات المسلحة السودانية والاجهزة الامنية والشرطية المنوط بها حفظ الامن والسلام ورهين بتسامي القوى السياسية فوق الخلافات العابرة والتركيز على استعادة السلام و تطبيع الحياة مرة أخري في البلاد.