منذ بدايات انطلاق مشروع العودة الطوعية الذي أطلقته منظومة الصناعات الدفاعية في مايو الماضي ظللت احرص على وداع العائدين إلى الوطن .. هذه العملية التي تتم يومي السبت والأحد من كل اسبوع تجسد الروح الإنسانية وقيم التكافل الاجتماعي التي لا تجدها إلا في السودان
عشرات السودانيين يتجمعون بميدان على شارع الشيخ الريحاني بمنطقة عابدين ينتظرون دورهم في التفويج .. برغم الاعداد الكبيرة والمتزايدة اسبوعياً لكنك لا تجد تدافع ولا اي نوع من الفوضى بسبب حسن التنظيم والترتيب الذي تقوم به المهندسة اميمة عبد الله مع مجموعة من شباب المنظومة تلحظ الرهق على وجوههم من طول الوقفة للتاكد من ان اي شخص جلس على رقم المقعد المخصص له وفي البص المعني
لوحة رائعة لملحمة العودة تجسدها صورة حية لحركة العائدين وهم يهمون بالمغادرة بعد عامين ونصف العام من الغربة القسرية عن الوطن .
بعض الأعين تتخللها دموع متقطعة لاتستطيع قراءة ما تحمله احاسيس أصحابها ان كانت تنم عن فرحة العودة ام خوفا من مجهول او ذكرى أحبة فقدوا اثناء الحرب اللعينة .. أصوات خافتة من احاديث مشتركة بين افراد من مدن بعيدة وولايات مختلفة جمعت بينهم العودة الطوعية في موقع المغادرة .. اطفال يتجولون كما الأزهار بين عشرات الحقائب فرحين ( راجعين السودان) تسمعها منهم وكانهم في طريقهم للقاء الأم بعد طول غياب .. لا يدركون تماما معنى هذه الرحلة لكن الفرحة تملا عيونهم ..
امرأة ستينية تحمل حقيبة عيناها تلمعان بالدموع لكن ابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها .. شاب يحمل طفله الصغير على كتفه ينظر إلى الأفق بلهفة ممزوجة بحذر.
في هذه الأجواء تأثرك كاميرا الشاب النحيل محمد ابن زميلنا عبود مرغني وهي تتجول لترسم صورة حقيقية لمشهد مؤثر يلتقط صورا لمجموعة مسافرين مع ذويهم حضروا لوداعهم . او لقطات عشوائية من هنا وهناك لشباب يحملون الامل ويحلمون بلحظة العودة ، واليوم ، حان الوقت.
قلوب مثقلة بالذكريات ، وعيون تتطلع إلى المجهول المعلوم ..عندما يهم البص بالاقلاع ترى وجوها مثقلة بالذكريات وعيون تتطلع لغد مشرق رغم التحديات المتوقعة .. لكنه الوطن .. يرفعون اياديهم بالوداع للارض التي احتضنتهم مصر ام الدنيا وشعبها الكريم المضياف في لحظات إنسانية تعبر عن الشكر والوفاء في الطريق نحو الوطن الجريح لبدايات جديدة مفعمة بالأمل لبناء وطن بلا جنجويد ولا مليشيا
ان قصص العودة الطوعية التي تقوم بها منظومة الصناعات الدفاعية ليست مجرد عمل إنساني خيري فقط بل هو استثمار في السلام والاستقرار والتماسك المجتمعي .. وهي قصص قادرة على احداث فرق حقيقي في حياة الذين شرّدتهم الحرب اللعينة عن ديارهم.
مشهد يختلط فيه الألم بالأمل والماضي بالمستقبل .