حاجب الدهشة – علم الدين عمر -ممتلئ بالفراغ!!

..من أغرب وأفضل تجاربي القرائية خلال هذه الحقبة الغريبة التي لم يتلمظ جيل سوداني منذ أن تشكلنا كدولة ومجتمع ومساحات ثقافة وتاريخ مثلها – كتاب للطبيب المصري الشاب عماد رشاد عثمان ..أحد إكتشافاتي المعرفية المتأخرة – فشغفي بكتُاب وكتابات أم الدنيا قديم – علي أن الكاتب نفسه ليس بقديم ..فالطبيب الشاب من مواليد منتصف الثمانينات وهي فترة (الزقاق) التاريخي للظلم الإنطباعي للناس والأحداث..
كنا نركز حتي نحن أبناء هذا الجيل علي تتبع (كلاسكيات) الكتاب والكُتاب فنُسقط عن أنفسنا رهق البحث والتشجيع والإحتفاء بخبز المطابع الخاص بنا فتتلقفه ذواكر النسيان طازجاً..ساخناً..
“ممتلئ بالفراغ”.. الكاتب (الضخم) عماد رشاد عثمان أعاد إلي حساسية الإلتقاط لما يُكتب بفكرة تتجاوز العناوين ..لأي قارئ سريع المرور هو مجرد عنوان أدبي فلسفي لما يشبه البحث الأكاديمي لجرّاح تخصص في علم النفس .. ولكن سرعان ما تأخذك الأبعاد الادبية الساحرة والتراكيب اللفظية لكاتب ممتلئ بالحضور والثقافة والعلم والإبداع ..
قرأت ممتلئ بالفراغ وكنت أريد أن أسقطه علي كثير من الفراغات لدينا لملأها بهذه الطاقة الهدارة من الإيجابية..
حتي فكرة هذه الزاوية أنجرفت فيها لمكان غير الذي أردته – فقد كنت أريد إلباس العنوان لرجل ممتلئ بالفراغ من كافة الجوانب في المشهد السوداني عاد هذه الأيام -من إحدي الزوايا ليملأ الدنيا ويشغل الناس بفراغه العريض ..عاد مدير عام الشرطة ووزير الداخلية الأسبق الفريق أول عنان حامد للواجهة خلسة من حيث لا يحتسب المراقبون ..وأستفزت مشاعر الناس مجرد صورة له وهو علي مائدة مسؤول العسس الحالي فضجت الأسافير وأهتزت المساحات ..والزمان معركة..
كان مخطئاً حد الإستهتار ذاك الذي وجه (كاميرته) البائسة لهذه المائدة ..وكان ممتلئاً بالفراغ من أحتفي بإشعال هذه النار في مقدمة ركب هؤلاء الرجال وكنت ظالماً لعماد رشاد عثمان وأنا أحتفي بكتابه في هذا السياق…
منذ عامين والسودان هو مستودع الأسرار والتقاطعات الأكثر حضوراً في كتاب التاريخ ..كل شيئ وكل أحد يلفه الغموض وتحيط به الخفايا ..كان عنان وزيراً ومديراً لأهم ملفات الدولة حين نشبت الحرب وتمردت المليشيا ..أختفي الرجل وكثرت الأقاويل وبدأت المراجعات التي لم تنته – وحدها أضابير الدولة وصدور الرجال كُشف عنها الحجاب ..تساؤلات أحاطت بغيابه الحاضر حول السجل المدني وأرقام مرتزقة آل دقلو ..وتعيينات وإعفاءات الشرطة ..الفراغ العريض الذي صاحب ملف الأمن الداخلي منذ بداية الحرب…إخلاء المواقع وعدم وضوح الرؤية ..إنضمام عدد كبير من الضباط لزملائهم في العمل الخاص وخروج بعضهم من البلاد بالكلية ..
عاد عنان للواجهة بواسطة صورة ممتلئة بالفراغ وعادت الأسئلة المملوؤة بالشائعات للواجهة.
أعود لعماد رشاد عثمان لأداعب الريشة بالألوان في حضرة كتابه الأنيق -ولعنان في رحلة كشف الخبايا وملء فراغات التحري بعد أن عزفت زماناً عن الشرطة وملفاتها وناسها فهي الجهاز الأقرب لنفوسنا والأبرز تأثيراً في وجداننا وإثارة لأشجاننا .