?قريباً سيُطفئ الله هذه الحرب باستئصال شأفة المليشيا والمرتزقة والعملاء أو باستسلامهم إذا ما فاؤوا لأمر الشعب والوطن ، ولا مجال لإعادة انبعاثهم بتفاوضٍ أو بالخنوع لضغوطٍ دوليةٍ مهما عظُمت في نفوس الذين في قلوبهم مرض ، وعندها سيكون السودان بعد كل هذا الدمار قد عاد إلى منصة التأسيس ما قبل غزو محمد علي باشا للسودان ، وحرِيٌّ حينها بجيل الشباب أن يحرصوا على أن يعيدوا تأسيس بلادِهم على تقوىً من القيم الربانية السودانية ، ورِضوانٍ وطنيٍّ يتجاوز ما بناه المستعمرون على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهار كله في هذه الحرب ، وعليهم إذ يزيدون عن ٨٠% من سكان السودان أن يحرصوا على انتزاع أمر بلادهم من أجيالٍ وكياناتٍ خلت ، لها ما كسبت ولأجيال الشباب ما ينبغي أن تكسبه ، فيطوون صفحة الماضي بِعَبْرتِها غير مستصحبين منها إلا عِبْرَتها ، ودون انتكاسٍ إلى عملٍ غير صالحٍ سنَّه من كان قبلهم.
?بالنظر إلى حجم الاستهداف الذي ظل يتعرَّض له السودان بسبب ضخامة ثرواته وقدراته ، ومن أجل عدم استهلاك موارد وإمكانات البلاد في بناء جيشٍ ضخمٍ يوازي حجم الاستهداف ، فإنه لا مناص عن تدريب وتسليح كل الشعب بالأسلحة الخفيفة (بنادق أوتوماتيكية) وتوظيفهم من خلال مؤسساتٍ دستوريةٍ مُنظمة ومُمنهجة ، تبدأ بالخدمة الوطنية وحرس الحدود ولا تنتهي بقوات الاحتياط.
?التأسيس لوضع استراتيجية قومية شاملة ومُلزِمة بالدستور *تبدء بإعادة بناء الإنسان باعتباره أساس البنية التحتية* ، وتركز على التنمية البشرية المُستدامة.
?إعادة بناء مؤسسات الدولة على أُسس إلكترونية ، ورقمنة كل العمل الحكومي والتعاملات مع المؤسسات الأخرى والجمهور ، ولا سيما في النواحي المالية ، وذلك لمواكبة العصر ، والاستعداد لولوج المستقبل ، ولتسهيل الإجراءات والمعاملات ، ولتوفير الجهد والوقت والمال ، ولتضييق مساحة الفساد والمحسوبية ، ولضمان الشفافية والرقابة والمحاسبة.
?أهمية اعتماد عُملة وطنية إلكترونية ، وإلغاء التعامل بالعملات الورقية أو تأطيرها في أضيق نطاق ممكن لفترة زمنية محددة قبل رقمنتها بالكامل.
?الحوجة الماسة لإنشاء جهاز مُنفصل متخصص في الأمن السوبراني وهو المنهج الذي بدأت فيه غالبية الدول المتقدمة والنامية منذ أكثر من عشر سنوات ، فتأمين البيانات ، وحماية الأنظمة والشبكات من الاختراق والهجمات الإلكترونية بات يشكل تهديداً مباشراً وخطراً داهماً في عصر الحكومات الإلكترونية والعالم الرقمي ، وأن تأتي متأخراً خيرٌ من أن تنتظر حرباً إلكترونية لتبدء بعدها بالمتطلبات الحمائية.
?ضرورة إلغاء الإدارة الأهلية باعتبارها إزدواجيةً تُكرِّس للقبلية ، ولا فائدة ولا مكان لها في دولة القانون والمؤسسات ، والاستعاضة عنها بمؤسسات الدولة الدستورية على مستوى الولاية والمحلية والبلديات والمدن والقرى .. على أن تكون جميعها بالانتخاب المباشر.
?ضرورة إعادة النظر في قانون الأراضي لسنة ١٩٢٥م ، ومعالجة الغموض المفضي إلى التمترس القبلي والعشائري حد الاقتتال وإعاقة الاستثمار في الاستشكال المفاهيمي بين الحيازة والملكية ، وإنهاء حالة التوازي المتناقِض ما بين متطلبات دولة الحاكورة والدولة الحديثة.
?إعادة صياغة قانون النشاط السياسي بما يُحتِّم قيام أحزابٍ جديدةٍ على أسسٍ سليمةٍ تضمن حصرية الفرص للأجيال الشابة دائماً والمتكافئة أبداً من الجنسين في تولي العمل السياسي والنقابي والمجتمعي ، ولتحرير النشاط السياسي والعمل العام من سيطرة العائلات ووصاية البيوتات إلى الفضاء الشعبي والجماهيري ، وأن يكون القانون صارماً في منع التدخل الأجنبي في العمل السياسي الوطني.
?أهمية إعادة النظر في إعادة موضعة العاصمة الحكومية خارج ولاية الخرطوم ، وربما تهديكم الدراسات لفائدة أن تنفصل العاصمة الإدارية عن العاصمة التجارية عن العاصمة الثقافية ، والسودان على امتداد تاريخه الطويل تعددت عواصمه ، واختيار الخرطوم لم يكن قراراً سودانياً ، وقد أصاب الخرطوم من المثالب قبل الحرب ما اتسع فتقه على راتقه ، ولم يمنع التوصية بنقل العاصمة من مكانها في الحوار الوطني إلا استعظام التكلفة المالية والتي هي اليوم تكلفةٌ محتومة ، ولكن ينبغي إنفاقها في موضعٍ يتجاوز سلبيات ما قبلها.
?ضرورة أن يكفل الدستور والاستراتيجية القومية معاً ابتدار عملية إعادة بناء المؤسسات بتمييزٍ كامل وسلطاتٍ محددة تُفصِّل المهام ما بين عملية صناعة القرار والتي هي مهمة مؤسسات الدولة ، وما بين عملية اتخاذ القرار وكفاءة إنفاذه والتي هي واجب الحكومة ، فلطالما عانت البلاد من ارتجال صناعة القرارات بواسطة متخذيها بعيداً عن مؤسسات الدولة.
?إعادة النظر في كامل العملية التعليمية وعلى رأس ذلك الطريقة التقليدية العقيمة والمُكلِفة والمُعقَّدة والغير موضوعية ولا منصفة لامتحان الشهادة السودانية.
?ضرورة تغيير منهجية التفكير وطريقة النظر للأمور في إدارة شئون الدولة ، والارتقاء بالمفاهيم من ضيق الأيدلوجيا إلى فضاء التكنلوجيا ، فمنظومة القِيم وكريم الموروثات في السودان محروسةٌ بالشعب المُحافِظ لا بالتيار الإسلامي ، والحقوق المدنية والحريات تضمنها الأجيالٌ المتعلمة والمثقفة الشابة والتي يتقزم إزاءها التيار اليساري النيوليبرالي.
?أهمية مأسسة العمل النيابي في المجالس الاتحادية (مجلس الولايات/البرلمان) والولائية (المجلس التشريعي/ المجلس المحلي/..الخ) من خلال وصف وظيفي مفصل للنائب المُنتَخَب ، وأطقُم عملٍ ، وآليات مراقبة ومحاسبة لنواب الشعب من الناخبين ، فمن غير المقبول مجدداً وجود نواب للشعب عاطلين عن خدمة ناخبيهم والمحاسبة على أدائهم.
?إلى أجيال الأمس وقبله من الذين لايزالون يتشبثون بفرض أنفسهم لتشكيل حاضر اليوم ومستقبل الغد ، ولا سيما أولئك الذين تجاوزوا أقصى السن المعاشية ، الذين تقل نسبتهم في سكان السودان عن ٤% من الذين بلغوا الخامسة والستين فما فوقها … شكر الله سعيكم وغفر لكم وتقبل منكم وعنكم .. قد آن أن تُسلموا الأمانات إلى أهلها .. وسيقول بعضكم بأن الشباب لم ينضجوا ، ولعمري فإن ما رأيناه من الشباب في هذه الحرب وحدها يكفي لنقول بأنهم أقوى شكيمةً ، وأوفر وعياً ، وأصلب عوداً ، وأخلص في ذاتهم للوطن مما يظن الكثيرون ، ومعظم القيادة الوطنية منذ الاستقلال وحتى اليوم قد انتزعوا دورهم القيادي مُغالبةً ممن سبقهم ، وبأساليب غير سلسة كما سجلها التاريخ ، وكانت يومذاك أعمار بعضهم دون الأربعين وأكبرهم دون الخمسين ، وغالبهم استحال عليه التعالي على ذاته الشخصية والحزبية والعشائرية لصالح الوطن ، ولا شك أنهم قد أصابوا وأخطؤوا ، ولكن المؤكد بأنهم ما عادوا جيلاً مناسباً لبناء المستقبل ، وقد آن لأجيالهم هذه أن تهجر العمل العام لخلَفِهم من الشباب ، ويتفرغوا للنصح والإرشاد أو العمل الخيري أو التجاري أو الثقافي أو الزراعي أو غير ذلك من ضروب الحياة التي لا تنحصر في العمل السياسي والوظيفة العامة ، وعليهم أن يُسلِّموا لسنة الحياة ، وطبيعة العمل العام ، وأن يتذكروا بأنهم على الحقيقة أمةٌ قد خلت من بعدها أمم ، فمن الظلم أكل دَرَتين ، والفشل مرتين ، ومن الاستحالة عليهم أن يعيشوا حياتين.
?إن سودان ما بعد الحرب لا يجب أن يأخذ كينونته مما سبق قبل الحرب من تنظيماته السياسية ، ولا من تياراته الفكرية ، ولا من تشريعاته العلمانية أو الدينية ، ولا من تعريفٍ عِرقيٍّ إفريقي أو عربي ، ولا من تطلُّعٍ لسخاءِ أشقَّاء ، أو وَجلٍ من ازورار أصدقاء ، وإنما من شئٍ قد يشملُ هذا كلَّه ، ولكن بالضرورة أن يسمو عليه ، ولابد لأجيال الشباب أن تكون هذه الحرب لهم محطةٌ وطنيةٌ فارقةٍ تَنقَدِحُ فيها شرارة وَعيهم الباطنيّ بعِظَم المسئولية التي يتوجب عليهم عدم المساومة في حملها ممن سبقهم .. من قوةٍ في نفوسهم لمواجهة التحديات والنهوض بوطنهم الذي أثخنت سيادته وكرامة شعبه الخطوب .. من التهيُّؤ الشخصي والمجتمعي والشعبي لمجابهة كلَّما نواجهه اليوم أو ما قد تأتي به الأحداث غداً .. *من حقيقة التَّسليم أن الآخَر الوطني هو أولاً وثانياً وأخيراً* ، وأن السودان يستحيل المحافظة على وجوده واستدامة بقائه بغير القوة (العسكرية ، الأمنية ، الاقتصادية ، …الخ) القائمة على عقيدة وطنية راسخة ، وأن ثغرة العدو التي يَنفُذ منها للسودان يحرُسُها أولئك الذين لهم أجسادٌ سودانية وذوات أجنبية ، فيتحدثون بلسان الخارج ، ويُقدِّمون قيمه ومعاييره ومصالحه ، ويتوسلون لأغراضهم بادعائهم وطنيةً وطهرانيةً تمنحهم حق الوصاية على الآخرين ومصادرة إرادتهم الوطنية.