*
الاجتماع الذي انعقد بمنزل رئيس حركة العدل والمساواة، د. جبريل إبراهيم، بحضور قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا (إن كان قد حدث بالفعل) يحمل تداعيات سياسية وأمنيه خطيرة على المشهد السوداني، يمكن تلخيص هذه الخطورة والتداعيات بالنقاط التالية:
أولا: هو مؤشر لإحداث (صراع سياسي) ،لأن المطالبة بإعادة توزيع أنصبة السلطة الانتقالية ومنح الحركات المسلحة نسبة كبيرة من المناصب الهامة في الحكومة سوف يؤدي إلى زيادة التوترات السياسية بين القوى العسكرية والمدنية ،وقد يُنظر إلى هذه المطالب على أنها محاولات لتقوية نفوذ الحركات المسلحة على حساب القوى السياسية الأخرى.
ثانيا: هو مؤشر قد يؤدي الى إختلالات أمنيه في البلد ، حيث أن الضغط على القوات المسلحة لإعادة توزيع السلطة قد يؤدي إلى حدوث خلاف إذا لم يتم التوصل إلى توافق حول التوزيع (المزعوم) للمناصب ، قد يتحول إلى صراع مفتوح بين الحركات المسلحة والجيش.
ثالثا: هذا الموضوع سوف يكون له تأثيرات مباشرة على العملية الانتقالية المتوقعه، حيث ان المطالبات بالحصول على 50% من الحكومة والوزارات الرئيسية مثل الخارجية والداخلية والمالية والمعادن، ومنصب رئيس الوزراء والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة، سوف تقوض الجهود الرامية إلى تحقيق انتقال ديمقراطي سلس وشامل عن طريق صناديق الانتخابات ، وبهذه الخطوة قد تضعف الحكومة الانتقالية وتخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي مستقبلا.
رابعا: تهديد التوافق الوطني ، حيث أن منح هذه النسبة الكبيرة من السلطة للحركات المسلحة فقط بناءً على مشاركتهم في القتال ضد التمرد دون إشراك القوى السياسية والمدنية يمكن أن يُفسر على أنه تجاهل لتطلعات ومطالب الأطراف الأخرى في العملية الانتقالية،و هذا من شأنه أن يخلق حالة من الانقسام داخل المجتمع السوداني ويضعف فرص بناء توافق وطني حقيقي.
خامسا: هذه المطالب اذا تمت الاستجابة لها فسوف تكون خطأ استراتيجي كبير (شبيه بخطأ تمكين الدعم السريع السابق) وذلك بمنح (قوات شبه عسكرية) واجهات سياسية مؤثرة في الدولة السودانيه، حيث ان منح الحركات المسلحة مناصب سياسية هامة استناداً إلى دورها العسكري يكرس لعسكرة المشهد السياسي في السودان الأمر الذي سوف يعيق بناء مؤسسات مدنية قوية ومستقلة، كما أنه سوف يعطي انطباعاً بأن الحلول العسكرية تتفوق على الحلول السياسية.
سادسا: سوف يكون بوابة محتملة للتدخلات الخارجية، فتحركات من هذا النوع قد تجذب اهتمام اللاعبين الدوليين الذين لديهم مصالح في السودان، مما يزيد من احتمالية التدخلات الخارجية التي قد تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر، سواء من قبل القوى الإقليمية أو الدولية.
بشكل عام، هذا الاجتماع وما تم مناقشته يمكن أن يُفسر على أنه خطوة لمحاولة تعزيز نفوذ الحركات المسلحة في الحكم الانتقالي، وهو ما قد يُحدث تحولاً كبيراً في مسار العملية السياسية ويثير مخاوف كبيرة من تكرار تجربة الدعم السريع مرورا بحالة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري، لذلك يجب الإسراع في كبح جماح هذه الحركات واخضاعها لترتيبات امنيه صارمه تكون بموجبها جزء من القوات المسلحة السودانيه بسطا لهيبة الدولة، و الا تكون هناك اية قوة مسلحة في البلاد عدا الجيش الوطني السوداني، وأن تكون صناديق الاقتراع هي الوسيلة الوحيدة للحصول على المناصب والوظائف الرسمية في الدوله .