تقرير – سارة إبراهيم
خلفت الحرب الدائرة في السودان أضرار كارثية، أثرت على اقتصاد البلاد بصورة كبيرة، فإعمار السودان بعد الحرب يتطلب معالجة متعددة الأبعاد تشمل إعادة بناء البنية التحتية، وتقديم الدعم الاقتصادي، وتحقيق الاستقرار السياسي، وتضميد الجراح الاجتماعية، و نظراً لضخامة التحديات التي تواجه البلاد بعد سنوات من الصراع.
عملية مفقودة
يقول المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي، إن العوامل الاقتصادية تؤثّر في النتائج السياسية المرتبطة بإعادة الإعمار، كذلك توافر الموارد الاقتصادية لإعادة الإعمار، والطريقة التي تنتهي أو قد تنتهي بها الحرب؛ ووجود أو غياب عملية سياسية على الصعيد الوطني أو الإقليمي، والهياكل الاقتصادية التي كانت قائمة قبل الحرب،
ويضيف فتحي، لا تعني إعادة الإعمار بالضرورة انتهاء الصراع، إذ قد تشعل هذه العملية تنافسات إقليمية ودولية جديدة. فهي، كعملية جيواقتصادية، من المستبعد أن تُحدث استقرارًا مستدامًا ما لم تقترن بحدٍّ أدنى من العملية السياسية التي تتيح إعادة توزيع الخسائر والأرباح، وتُعتبر هذه العملية مفقودة في السودان.
مصالح حيوية
وفي ذات السياق يقول فتحي، إن خطط إعادة الإعمار وسيلة من وسائل تعزيز وجود الدول في السودان، وأداة من أدوات تأكيد مصالحهم (الحيوية)
كما أنهم يميلون إلى التركيز على تحقيق المصالح العاجلة، مثل الأرباح المالية السريعة، أو التخفف من أعباء اللاجئين السودانيين الذين يتدفقون على بلادهم.
يحتاج السودان إلى عملية إعادة إطلاق النشاط الاقتصادي الذي لحق به دمار عظيم في قطاعاته كافة، وبلغت الخسائر المادية، مع كلفة فوات فرص النمو، أكثر من (200) مليار دولار، وتُعدّ هذه العملية ركنًا أساسيًا في صنع مستقبل السودان ، ويرتبط بها جانبٌ آخر مكمل، وهو تصميم نظام اقتصادي يحقق القدرة الإنتاجية المرتفعة، ويحقق توزيعًا أكثر عدلًا للدخول، ويرسم أدوار أطراف العقد الاجتماعي الثلاثة بشكل سليم (المجتمع وقطاع الأعمال والسلطة) ويعالج البنية للاقتصاد السوداني.
تراجع غير مسبوق
وفيما يخص حجم الخسائر التي ستتكلف البلاد فاتورتها لاحقا، أشارت احصاءات سابقة للحكومة السودانية فقد انخفضت إيرادات البلاد بأكثر من 80% بسبب تطورات الحرب التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي.
فيما أكد تقرير صدر عن صندوق النقد في 25 اكتوبر الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي في السودان قد تراجع على نحو غير مسبوق وانكمش معدل نمو الناتج المحلي إلى سالب 18.3% في العام 2023 وتوقع التقرير أن يصل التراجع بنهاية العام الحالي.
وفي ذات التقرير الصادر عن صندوق النقد فإن الحرب قد رفعت معدل البطالة في السودان من 32.14% في عام 2022 إلى %47.2% عام 2024.
خسائر جسمة
في ذات السياق يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والمحلل الاقتصادي، كمال كرار، إن الاقتصاد السوداني كان ما قبل الحرب على حافة الهاوية، وبعد الحرب أدى التدمير الواسع للبني التحتية وانتقال الحرب لمناطق انتاجية إلى شلل كلي في كل مناحي الاقتصاد، بالاضافة للخسائر الجسيمة التي حدثت للمواطنين جراء نهب ممتلكاتهم.
مضيفا، على ضوء أسباب الحرب وتعامل المجتمع الدولي معها ومع نتائجها فلا اتوقع حملة إعمار دولية واسعة بعد توقف الحرب .. فالعالم منشغل بحروب وقضايا مهمة، والاقتصاد العالمي نفسه يحتاج للتعافي، ومعظم دول العالم مشغولة بقضاياها الداخلية .. لهذا فالاعتماد الاساسي سيكون على ما تبقي من الموارد الداخلية واسهام السودانيين بالخارج.
تقديم الأمن الغذائي
ويرى كرار، إن اعادة الإعمار شرطها الاول حكومة مسؤولة قادرة علي ترتيب الاولويات العاجلة، بشفافية ومصداقية تكون حكومة افعال لا أقوال تكون الاولوية لمعاش الناس وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، ما يعني وضع قضية الأمن الغذائي في المقدمة، ثم الاهتمام الأكبر بالقطاع الزراعي المروي والمطري، ثم إعادة اصلاح المرافق الحيوية الضرورية وتوفير الحد المعقول من المتطلبات.
وأقترح كرار، إمكانية أن يتوفر التمويل من صندوق ودائع يقدمها سودانيون بالخارج للحكومة على سبيل الاستلاف لأغراض التنمية الضرورية
في الأولويات إعادة اللاجئين والنازحين لمناطقهم وهذا ممكن بتوفير الحد الأدنى من المساعدات ووسائل النقل وفي تقاليد الشعب السوداني النفير والتكاتف ومساعدة الغير وتلك قيم ستساعد في نهوض السودان من الركام.
وضع جديد
وفي سياق متصل، يقول كمال إن متطلبات الإعمار من ناحية سياسية لا بد من نظام سياسي انتقالي ينال التوافق بين الجميع مدني (100)% وخاليا من المتورطين في هذه الحرب، مستبعدا حدوث حوار وطني شامل لان الحرب خلقت وضعا جديدا سفكت فيه الكثير من الدماء، وكثير من الأطراف خضعت للمصالح الأجنبية، والأجندة المشبوهة والحرب نفسها أصبحت غاية لتحقيق هذه المصالح، ويجد الحل في تقديم المتورطين للعدالة ويقول كرار، في تقديري تشكيل حكومة وطنية تقوم هي نفسها بتشكيل لجنة وطنية تتقصي أسباب الحرب والجرائم تمهيدا لمعاقبة المجرمين وتتولي بعد ذلك تسيير الفترة الانتقالية حتى الانتخابات، وزاد، “أصلا الرجوع للشكل القديم شراكة عسكرية مدنية مع وجود مليشيات هو سبب الأزمة وسبب الحرب لا يمكننا أن نعيد انتاج الأزمة بحجة المصالحة”.
تمويل ضخم
يقول المحلل الاقتصادي دكتور محمد الناير، إن اعمار السودان مشروع كبير وضخم يفترض يبدأ بعد انتهاء الحرب، وهو مشروع يحتاج لتمويل كبير يحتاج لوقفة كبيرة من المجتمع الدولي والإقليمي للمساهمة في إعمار السودان وفق برامج وخطط محددة، ولكن اقول دائما السودان يجب إلا يعول على المجتمع الإقليمي والدولي كثيرا لأن تجارب السودان قبل وبعد انفصال جنوب السودان مع المجتمع الدولي المجتمع الدولي لم يفي بالتزاماته على الإطلاق، لذلك نقول يجب على السودان أن يعتمد على موارده الذاتية، حيث انه يمتلك امكانيات وموارد طبيعية ضخمة في ظاهر وباطن الأرض تمكن من بناء السودان وإعادة بناء الاقتصاد السوداني وإعادة هيكلته في المرحلة القادمة.
البحث عن موطئ قدم
وفي ذات السياق، يعتقد المحلل الاقتصادي، انها مسألة غير صعبة بحسب موارد وإمكانيات التي يمكن الاعتماد عليها بصورة كبيرة، بالتأكيد هناك دول كبيرة جدا ترغب في أن تقف مع السودان كالصين وروسيا وتركيا والهند والبرازيل ودول كثيرة تتعامل مع السودان أو تعلن وقوفها مع السودان بصورة أساسية كذلك إيران أخيرا كل تلك الدول تعد بصورة كبيرة في مشروع إعادة البناء خاصة إن الصين وروسيا تبحثان عن موطئ قدم باعتبار إن الصين استثمرت في السودان من قبل وحققت نجاحات كبيرة والآن تعود بصورة كبيرة وكذلك روسيا أيضا وبالتالي يمكن أن تساند هذه الدول في إعادة البناء وايجاد تمويل بشروط ميسرة سواء كان في شكل دعم أو شكل قروض ميسرة للمساهمة في إعادة البناء.
جبر الضرر
ويرى الناير أنه يفترض أن يتم تعويض كل الذين فقدوا ممتلكاتهم وغيرها من أشياء ولكن هذا الموضوع يتطلب جهد كبير وإجراءات محددة بعد إنهاء الحرب للحصول على تعويضات.