*البلاد التي تعاني نكبات إنسانية مثل بلادنا، تحتاج إلى أزمانٍ طويلة من أجل التعافي.*
والشعوب لا تبني نفسها بالتناحر والتنافر والحروب والنزاعات والتخوين وعدم قبول الآخر المختلف وتربص الكل بالكل والتآمر و رسم الخطط خلف الأبواب المغلقة والسُلطة المريضة بالتخوين.
ولو أن هنالك مثال على تلك الشعوب يُضرب لكنا نحن النموذج.
ولو لم في التشابه خيراً لما خلقنا الله شعوباً وقبائلاً، بل هي آية الإختلاف وضرورة القبول والتعايش..
طيلة العقود الماضية ومازالوا يرددون في كل ميكروفون رتق النسيج الإجتماعي وذلك لتباعد مكونات المجتمع عن بعضها الذي ازداد الآن عمقا على عمقه القديم ولو كان بعد القاع قاع لكان ذلك القاع الجديد بلادنا.
إهترأت العبارة ذاتها وليس النسيج وحده، وصارت تنتقل بين الألسن باهتة بلا روح ولا قيمة ولا عمل جاد لمعالجتها، بل صارت العبارة للتكسب وجني المال والتلاعب بالكلمات والجُمل القصيرة على المنصات الجماهيرية ومواقع التواصل الإسفيري بحثا عن المناصب الدستورية.
لعبت حكومات المركز المتعاقبة دوراً كبيرا في التوزيع الموغل في الظلم للخدمات الأساسية فنشأت نتيجة لذلك حركات المطالبة بالحقوق.
وكأن الجغرافيا هي الإمتياز، تنافرت البلد وتباعدت وتصدعت حتى صار وجه بلادنا كالحاً بأفعالنا، إنفصلنا وجدانياً وكأن سماء الوطن الواحد لا تجمعنا، مكونات المجتمع المختلفة تتمترس خلف إسمها وتحارب الآخرين بكثرتها، والبعض يبحث عن منصب حكومي ببكائه العنصري كيف يمكن أن نصنف أنفسنا!!
وكلنا كنا في ذات الكفة لو أننا أحسنا النظر لماضينا القريب وليس ذاك البعيد.
تنافرت البلد عن بعضها ومشت بين أهلها النتانة البغيضة وأصبحنا نصنف بعضنا بلون البشرة وملامح الوجه ومساقط رأسنا ونحدد طبقات المجتمع ودرجته تماشيا مع توزيع جغرافيا الإقاليم والمدن، أيها كان أقرب لحكومة المركز وأيها أكثر بعداً، وكان ذلك غرس المركز العقيم في أرض البلاد الذي انتج التباعد والإنفصال وراكم الأحقاد فحصدنا الحرب والتشتت والكراهية وتشوه النفوس حتى أضحى فضاء البلاد جاذبا للعنف وأطماع دول الشر وقوى الظلام العالمية فتطاولت علينا حتى الدول التي كانت معيشتها من خير السودان، ومازلنا موغلين في جهلنا نتحدث بلسان العنصرية حتى بعد أن أكلت الحرب الأخضر واليابس .
وكما أن القهر والظلم والتلاعب بالحقوق يوذئ النفوس والفقر يفقدها حتى إيمانها بالقدر فإن العنصرية تفرق الشعب الواحد وتجعله على شفا حفرة من الهلاك يكره بعضه ويقاتل بعضه وكأنما يريد القصاص، وفي هذا المرجل نحن الآن نغلي كلنا بعمى بصيرة وبصر دون أن نعي أن الإنسانية قبل الدين وأنها تجمع الناس وأن تفرقت بهم االأديان والمذاهب والطوائف والألسن.
ماذا يمكن أن نقول عن هذه الحياة الخربة، من يصلح ذلك؟
لا أحد ومع ذلك كل الناس تستطيع
نحن من نصلح حالنا. نحن من يجب أن نتوقف قليلا لننظر ماذا بأيدنا صنعنا، المجتمعات لا تنهض إلا بإصلاح أخلاق أفرادها، صلاح المجتمع في صلاح الفرد ورقي المجتمعات برقي أفراده.
لابد أن نجد الإجابات
لماذا فشلنا في إظهار أجمل ما عندنا من مشاعر نبيلة ومسامحة طيلة سنواتنا؟
لماذا فشلنا في أن نذوب في بعضنا؟
لما لا نلغي تلك الخطوط الوهمية التي تحدثنا عن الأعراق والأصول والجذور إنها تفصلنا عن بعضنا بأسوار من شوك ، وتجعلنا نصنف بعضنا وفقا للسان والمكان، لماذا لا نرفع تلك الستارة الداكنة السوداء لنرى إنسانيتنا بوضوح، ونسمع نبض بعضنا بوضح، ونغسل نفوسنا بضوء الشمس، قطعا ليس سهلا لكنه ممكن.
أكثر شيء محزن عندما تشعر بالخجل من وطنك
عندما تشعر ان الشعوب الأخرى تنظر إليك وتعلم عنك كل ذلك الغباء في إدارة شئوننا.
تعلم انقساماتنا وصراعنا وعدم مقدرتنا على إدارة إنسانيتنا،
تعلم انتكاستنا في أخلاقنا و أفعالنا، تعلم فضائحنا المالية وإستعدادنا لبيع ذمتنا في أسواقها العامرة بالمال، نحتفل بالشخص الأمين وكانها ليست اخلاقنا التي قمنا عليها، نستغرب للأشخاص الذين يتحدثون بصدق ، ونهمس لأنفسنا سائلين، من اين لهم هذا الصدق وكيف ينطقونه ؟
لا ينبغي ان يكون وجه بلادنا كالحا متوشحا كل ذلك البؤس، لنفرد للإصلاح مساحة في دواخلنا دون ان ننتظر مساعدة من الآخر او تصفيق أو تقيم، هو إصلاح لأنفسنا حتى نكسب بلادنا ويكون لنا بين العالمين وطن.