حرب 15 أبريل بأنها من أخطر وأكبر الأحداث التي شهدتها البلاد منذ حملة محمد علي باشا في 1821. هذه الحرب لم تحظى بالتقدير الأدبي الذي تستحقه والذي قد يكون مجحفا في تصويره لهذا الحدث البالغ الاهمية بطريقة سطحية أو مزاحية أو حتى محايدة مما سوف يساهم في تهميش الجوانب الحقيقية للمعاناة والمأساة، ويساهم كذلك في تجاهل تعقيدات الحدث وأبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية وانعكاساتها المختلفة.
ما يحدث الآن في تناول الأدب لحرب 15 أبريل -على قلته- يعكس نقصا في الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا الحدث التاريخي، هناك توجه لدى بعض الكتاب والمثقفين لتسطيح القضية أو التعامل معها بأسلوب خفيف، بدلاً من معالجتها بعمق، وبيان أبعادها السياسية والإنسانية والتأريخية، والحديث عن آثارها على مستقبل البلاد ومواطنيه. هذا النوع من الأدب قد يؤدي إلى تهميش الذاكرة الجماعية وتقليل أهمية الحدث في ذاكرة الأجيال القادمة.
اعتقد أن القضية ليست مجرد تسجيل أحداث، بل هي في جوهرها استحضار للتجربة الإنسانية بما فيها من آلام وآمال، وهو ما يتطلب من الأدب أن يكون بمستوى المسؤولية التاريخية التي يتطلبها هذا الحدث ، حيث أنه لا ينبغي أن يكون مجرد تعبير سطحي أو مزاحي او مزاجي ، بل عليه أن يعكس أوجاع الناس، ويعبر عن آمالهم وأحلامهم المجهضة، ويكون جزءاً من عملية التأريخ لما يحدث بشكل يليق بحجم المعاناة والأحداث التي تجري ، اتحدث عن ضرورة إنتاج أدبي قادر على تجسيد هذا الحدث بعمق ودقة، وبما يتناسب مع أهميته وخطورته. هذا النوع من الأدب عليه أن يكون مرآة لحقيقة ما يجري، يصف الأحوال وينقلها للأجيال القادمة، ويضع الحرب في سياقها التاريخي الأوسع، بما يليق بمقامها وأهميتها.
صحيح أن ما يحدث في حرب 15 أبريل في السودان يختلف عن سوابق الحروب التقليدية التي تُعرف بمعاييرها وآلياتها الواضحة، مثل الهجوم، الدفاع، الانسحاب، الاستسلام، والتفاوض. هذه الحرب يمكن وصفها بأنها غير تقليدية وغير منطقية من حيث طبيعتها وسياقها حيث إنها تفتقر إلى كثير من القواعد والمبادئ التي تنطبق عادةً على الحروب التقليدية ، فالحروب التقليدية عادةً ما تكون لها استراتيجيات وأهداف واضحة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. أما الحرب الحالية في السودان فتبدو معقدة ومليئة بالتشابكات الداخلية والخارجية، ما يجعل من الصعب تصنيفها ضمن القوالب التقليدية للحروب. هذه الحرب تدور في ظل ظروف غير مستقرة، ولها دوافع متشابكة وعناصر متعددة تجعلها تختلف عن النزاعات المسلحة المتعارف عليها.
لذلك وبسبب هذا الاستثناء في طبيعة الحرب، يصعب على “أدب الحروب” التقليدي أن يلتقط كل تفاصيلها أو يعالجها بالطريقة التي يعالج بها الحروب التي لديها نماذج سابقة ،وذلك لأن الأدب الذي يتناول حروباً استثنائية أو غير تقليدية يحتاج إلى أدوات جديدة وآليات سردية تتجاوز الأدوات التقليدية، لكي يتمكن من توثيق التجارب وتوصيل واقع الحدث بتعقيداته غير المسبوقة.
إن حرب 15 أبريل في السودان تتطلب نوعاً جديداً من الكتابة الأدبية والتحليل التاريخي، يتجاوز الأطر التقليدية لأدب الحروب ويأخذ بعين الاعتبار طبيعتها غير المنطقية وغير المتوقعة. الأدب هنا يجب أن يكون قادراً على استيعاب الفوضى وعدم اليقين، وأن يتعامل مع الأحداث بمزيد من العمق والتفصيل لتوصيل صورة حقيقية ودقيقة لما يجري، بعيداً عن القوالب النمطية القديمة.
الصادق محمد أحمد يكتب أدب الحروب بين التسطيح والتأريخ: حرب 15 أبريل في السودان نموذجاً
