معز ابو الزين – يكتب – النخب السودانية مفكّر بلا فكرة وشهادة بلا شاهد

( النخبة ) مصطلح لطالما فتقت به الآذان تشريفاً لا تكليف وضجيجا بلا طحين.
فالنخبة خلاصة من بين المجتمعات انتخبت نفسها لتكون علامة فارقة بين الأقران
ولا تسمى بذلك نتيجة الوسائل ( الشهادة ) بل نتيجة الغايات ( العمل ) وما تأتيه من نتائج تصدق تلك الشهادات ( النظرية والتطبيق ).
ولعل العلة حقا تكمن مراسم التتويج باللقب فالمعطيات للتتويج في السودان ابعد ماتكون عن غيرها في دول العالم الأخرى
المنتخب فينا إما منتخب بالميراث فينقطع طريق التنافس الشريف بين أهل السودان في تحقيق النخبوية الحقة
أو نخبهم الانتماء فضاعت بسبب ذلك الكفاءة وانفرط عقد العدالة في سوح من الضغينة عظيم.
أو انتخب بالمحاصصة فغابت المعيارية التي تضع كل ذي حق محقّه.
ولعمري ما قرأت أصدق مما قاله المحجوب: ( كل امرءٍ يحتل في السودان غير مكانه ) فأصبحت الشهادات لزوم التغطية والتجيير وصارت ترتق وتفصل ليستوعبها الغرض لا لتستوعب هي الغرض المرجو منها فأنفض سامر البحث العلمي الدقيق المحكّم المفيد ومات بذلك الابتكار وحل مكانه الدمار.
فالدمار لا يطأ الأرض قبل أن يطأ العقول ( فالأنسان أبن فكرته ) ولذلك حينما حْمّلت الأمانة ( العقل ) للإنسان كان غرضها التعمير ( إعمار الأرض ) لا التدمير ولأن الخالق عز وجل يعلم أن الإعمار في العقول وليس الفحول فما كان رده على الملائكة ( إني أعلم ما لا تعلمون ) إلآ إشارة واضحة الى ان الإعمار عقلي عملي تذكيه المعرفة والعمل بها لا روحي تذكيه العبادة فحجتهم في الأفضلية كانت العبادة ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) ومع ذلك لم تشفع لهم مما يؤكد أن القوي الأمين ليس عابدا بل عاملا عاقلا بما يعمل
فالعقل مركب على النقيض يحمل معينه الشر والخير لذا لم تكن دفوعات الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ذات جدوى فكان الترجيح المطلق للعقل
ولكنه ليس ذلك الجسم التشريحي الذى يملأ فراغ الجمجمة والذي يتساوى فيه الناس ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )
فهو لا يسمى عقلا إلآ اذا ما عقل ( أي ربط ) على ما يعتقد ويعلم وعمل به.
فهل ربط أهل الصفوة على ما علموا وعملوا به
ما يحتاجه السودان اليوم عقول إعمار لا عقول دمار وفسوق ( أمرنا مترفيها ففسقوا فيها )
والفسوق هو البعد عن الحق مطلقا ايا كان نوعه خاص أم كان حقا عاما فالظلم فسوق والفساد في المال العام فسوق وسمي ما شئت أن كانت لك المشيئة
والمترف هو من لا يطاله القانون والذي يحميه الانتماء من تحقيق العدالة على فعله فكانت النتيجة ( فدمرناها تدميرا )
ذلك أن العقول كانت سببا في الدمار لا الاعمار فالسودان لا يزال بمفهوم القرآن قرية لانه يكرس للأحادية لا التعددية والاعتراف بالآخر فالمولى عز وجل سمى مكة ام القرى اي ام الآحادية التي لا تعترف بالآخر ولذا أمر نبيّه بالهجرة الي يثرب وسماها المدينة لأنها تصلح لإقامة الدولة أكثر من مكة لأن مصطلح المدينة يعني التعدد وامتزاج الثقافات والقبول بها
فنخب الدمار هذه يجب أن تتغير ولا اعنى مطلقاً تغيير الأشخاص ولكني أعني تغيير الأفكار
ولا أعني كذلك المعايير الشكلية لانتخاب النخب التي تأخذ فقط معيار المعرفة الموثقة بالشهادات فيجب أن تبني النخبوية على محورية المعرفة وإحاطتها وإني لأرى المعايشة للواقع السوداني أجدى نفعا من عقول مصدرة ترى في المحاكاة العمياء لتجارب الناجحين دون اعتبار لتباين المعطيات على أرض الواقع امرا محمودا قادرا على خلق سودان جديد في الوهم وإعادةإنتاج الفشل
أو عقولاً ترى في المقارنة سبيلا للخروج من الأزمة فالسودان سادتي لا تضره علمانية ولا تنفعه لأن العلمانية منتجا خاصا ببيئات استشرى فيها رجال الدين فسادا وليس الدين ( خط خطين تحت رجال الدين )
فالعلة في التطبيق لا النظرية
ولا تنفعه ديمقراطية ولا تضره فتلك كانت نتيجة إجراءات واصلاحات ومطلوبات وتنازلات لم نبلغ نحن بعد مكانها لتكون الديمقراطية وصفتنا الناجعة والتجارب أثبتت ذلك وما خطاب الهندي في البرلمان ببعيد فنحن نريد أن نحمل الديمقراطية في مواعين خربة تفتقر في نفسها إلى الديمقراطية ( الأحزاب ) فلتوثها بالديكتاتورية البغيضة والتي تولد من رحم ديمقراطية مشوّه
السودان حقا يحتاج منتجا سودانيا خالصا لا يغفل واقعنا وعادتنا وطريقة تفكيرنا وثقافة العيش عندنا فنحن نفرح غير الدنيا كلها ونحزن
ونملك الثروات لأغراض لا تشابه ما عليه العالم من أغراض فالثروة الحيوانية مثلا كثرة بلا وفرة قس عل ذلك
المفاهيم عندنا مختلفة عن العالم في كل شيئ ولعل ما يدور في هذه الحرب خير دليل على ذلك فقد فشلت كل النظريات الحربية والسياسية في فعل ما كان مخطط له أن يكون
ولا أعني بالتأكيد خبرة وتجارب الأخرين فأخذها في الاعتبار تسريعا للعمل وتجويدا للفكرة
( نحن بإختصار عايزين ترزي شاطر يفصل تجارب الأخرين قدر مقاسنا )
ولنا عودة