إن لم تصحُ القوى السياسية السودانية من غفلتها، فلن يبقى لها وطن تمارس فيه السياسة، وسيُفرض واقع جديد من الخارج بقوة التدخلات الدولية، وقد تجد نفسها فجأة أمام قوات أجنبية تُجبر الدولة على قبول وقفٍ لإطلاق النار وفق أجندات لا تراعي مصلحة السودان. وعندما يُعلَن عن “دولة دارفور” من طرف واحد، سيذهب جزء جديد من أرض الوطن، كما ذهب الجنوب من قبل، وأنتم ما زلتم منشغلين بالمساومات والتحالفات الهشة، فهل تنتظرون حتى تكتمل الكارثة؟ الوطن ينادي، والتاريخ لا يرحم. الاجتماع الأخير لما يُعرف بالرباعية، والذي ضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، جاء ليعيد صياغة المشهد السوداني دون الرجوع إلى إرادة شعبه، حيث تم عرض مقترح لإنهاء الحرب لا يستند إلى معطيات الداخل السوداني، بل يهدف إلى فرض تسوية شكلية لوقف إطلاق النار، دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة. وقد برزت تباينات في المواقف بين الدول المشاركة، خاصة حول طبيعة دور الجيش السوداني ومكانته، في وقت ظلت فيه القوى السياسية السودانية صامتة، كأن الأمر لا يعنيها، وكأنها فقدت الإحساس بخطورة المرحلة. إن ما تروّج له الرباعية تحت مسمى “حل الأزمة” ليس سوى بوابة لتقنين واقع التمرد، وتمهيد الطريق لسلطة موازية في دارفور، تُهدد وحدة البلاد وتفتح الباب لانقسام جديد، لا يقل خطورة عن انفصال الجنوب. وقد أثبتت تجارب الاجتماعات السابقة فشلها بسبب تضارب مصالح الدول الراعية، مما يدل على أن الهدف ليس استقرار السودان، بل رسم خارطة نفوذ جديدة. منذ اندلاع الحرب، لم يقف إلى جانب القوات المسلحة إلا أبناء الوطن المخلصون، بينما اختفت معظم القوى السياسية، وفضّلت الصمت والهروب بحثًا عن السلامة والمكاسب، واليوم، وبعد أن استعادت الولايات استقرارها على يد القوات المسلحة والقوات المساندة، عادت الأصوات التي غابت عن الميدان لتطالب بالمناصب والنفوذ، وازدحمت فنادق العاصمة الإدارية في بورتسودان بطالبي الغنائم. لكن الوطن اليوم في خطر، وحماية الدولة لم تعد مسؤولية الجيش وحده، بل هي واجب على كل سياسي، وكل حزب، وكل مواطن. فإن لم تُعلن القوى السياسية موقفًا وطنيًا صادقًا في هذه اللحظة، فسيتم تجاوزها، وستجد نفسها في الهامش، بينما يتحدد مستقبل البلاد في غرف مغلقة أو عبر فوهات البنادق. إن السودان يحتاج اليوم إلى موقف وطني حاسم، يُغلّب المصلحة العامة على الحسابات الضيقة، ويضع وحدة البلاد فوق الطموحات الشخصية. فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يُكرم من التزم الصمت وقت أن كان الوطن يصرخ.
✒️
