على خلفية رسالة السيد ياسر عرمان لقائد قوات الدعم السريع بعنوان اوقفوا القتل
وماجاء فيها من إظهار الشفقة على مصير الشعب السوداني
حينما احتقن الموقف السياسي والأمني وأصبح مرشحا للإنفجار في اي لحظة في اكتوبر من العام ٢٠٢١ .. وبعد إفشال مبادرة رئيس الوزراء ( الازمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام ) والتي اتبعها بخطابه التاريخي في ١٥ اكتوبر ٢٠٢١ الذي أوضح فيه خطورة المشهد السياسي والعسكري والأمني .. واضعا خارطة طريق من عدة خطوات لفك الاحتقان وفتح مسار توافقي يجنب البلاد شرور محتملة حال استمرار الإنسداد كما كان عليه في ذلك الوقت بسبب تعنت جميع الفرقاء وتمترسهم خلف مواقفهم المرتبطة بمصالحهم الشخصية او مصالح مكوناتهم الحزبية ومؤسساتهم الرسمية .. ثم وفيما يشبه السباق مع الزمن الحق السيد رئيس الوزراء هذه الجهود بطرح مقترح لتشكيل ما أسماه (خلية الأزمة 6 + 1) والتي تتكون من ممثلين اثنين من الحرية والتغيير المجلس المركزي واثنين من الحرية والتغيير الميثاق الوطني – المنشق عن الحرية والتغيير الجسم الموحد – واثنين من المجلس العسكري إضافة لشخصه كرئيس للوزراء بغرض طرح كل القضايا الخلافية على الطاولة والتعامل معها بتجرد الا من الروح الوطنية الخالصة والمسؤولية الأخلاقية .. لإجراء حوار وطني حول كل القضايا الخلافية يتبعه تفاوض واعي يقوم على قاعدة صلبة من المبادئ الوطنية المرجعية التي ينتجها ذلك الحوار بغرض التأسيس لظروف إنتقال جيدة ان لم تكن مثالية .. وذلك لتجنيب البلاد الانزلاق الوشيك نحو الفوضى وما قد يتبعها من حروب وانفلات امني من المرجح ان يؤدي لأنهيار الدولة كلية .. كان ذلك الاحتمال الأكثر سوءا واردا بالفعل وقتها وواضحا بالطبع للسيد رئيس الوزراء من منطلق التصاقة بكل الفاعلين والمؤثرين في المشهد السياسي والعسكري آنذاك كما كان ذلك الاحتمال المخيف واضحا ايضا لكل مراقب ومهتم او مشفق .. مما دعى السيد رئيس الوزراء للتعجيل بتكوين ماسماه ب (خلية الأزمة – ٦ + ١) … حينها قام كل من المجلس العسكري والحرية والتغيير – الميثاق الوطني فورا بتسمية ممثليهم استجابة للمبادرة .. وتبقت الحرية والتغيير المجلس المركزي لتسمية ممثليها .. فعقدت اجتماعا يوم الاثنين 18 اكتوبر ٢٠٢١ لمناقشة مبادرة رئيس الوزراء … ولقد حضرت أنا شخصيا ذلك الاجتماع منذ بدايته بصفتي ممثلا لحزب تجمع الوسط .. ادار ذلك الاجتماع السيد مدني عباس مدني .. وابتدر فيه الحديث السيد ياسر عرمان والذي كان يشغل حينها موقع المستشار لرئيس الوزراء خطب قائلا بالنص (نحن ما صغار ولا في روضة سياسة .. ونحن لا نعترف بمايسمى الحرية والتغيير الميثاق الوطني .. فالحرية والتغيير جسم واحد وهو المجلس المركزي وقضيتنا الخلافية هي مع المكون العسكري فقط وتتعلق بتسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين بانتهاء القيد الزمني وفق الوثيقة الدستورية وتسليم كل المنشآت والمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش لولاية وزارة المالية وان يرجع العسكر لثكناتهم .. وان الأمر لا يستدعي المفاوضات اوالجلوس او الحوار فالأمر محسوم سلفا وان كان لابد من حوار فسيكون مع المجلس العسكري للإيفاء بإستحقاقات الوثيقة الدستورية …) وختم حديثه (بأن مواكب 21 اكتوبر القادمة ستوضح للكل من هي الجهة التي يوليها الشارع ثقته ومن هم الذين يعبرون عن تطلعات الجماهير الفعلية … ) قال حديثه الذي بدى لي صادما وغريبا ان يأتي من مستشار رئيس الوزراء الذي خرجت هذه المبادرة من اضابير ديوانه !! هل كان ياسر وقتها (المستشار الذي لا يستشار ؟!) .. قال حديثه ذاك ثم تشاغل بهاتفه الذكي اثناء تداول بقية الاعضاء دون ان يبدي حتى تقديرا او احتراما لزملائه المتحدثين وكأنه كان واثقا من ان البيان الختامي للإجتماع سيتضمن طرحه ورؤيته .. ومايؤكد صحة ذلك الافتراض خروجه من القاعة قبل نهاية الاجتماع بوقت طويل .. وبالفعل سار على منوال حديثه جميع المتحدثين من بعده بثقة واندفاع وتهور .. مرددين نفس الآراء التي طرحها السيد ياسر عرمان والتي خلاصتها انهم سوف لن يسموا أي مرشح من طرفهم لخلية الازمة .. بدى لي وقتها ان هؤلاء النفر بالفعل مراهقين سياسيين قصيري النظر وقد غابت عنهم وقتها الحكمة والنضج السياسي المفترض .. وغابت عنهم الكياسة والقدرة على رؤية المشهد المعقد بصورة كلية ومن منظور واسع .. فقد بدوا لي في ذلك الإجتماع المفصلي الذي جاء في أكثر الأوقات التي يمر بها السودان حرجا وتأزيما بدوا لي كأنهم لا يكترثون لمآلات مثل هذه الاختلافات في مثل ذلك الظرف الذي كانت سمته البائنة هي الاحتقان الذي يوشك على الانفجار .. فتم رفض المبادرة وبالتالي لم تسم الحرية والتغيير المجلس المركزي من يفترض ان يكونوا ممثلين لها في خلية الازمة … بالطبع كانوا جميعهم وقتها يظنون ان مواكب 21 اكتوبر ستكون ثلاثين يونيو أخرى تؤيدهم وتكون لهم بمثابة استفتاء جماهيريا بتفويضهم كممثلين للشعب والثورة .. وعلى هذا الأساس رفضوا مبادرة خلية الأزمة من حيث المبدأ … ولكن اتت مواكب 21 اكتوبر مخيبة لتوقعاتهم .. فأولا لم تكن بنفس زخم وعنفوان مواكب الثلاثين من يونيو التي اعقبت فض الاعتصام وثانيا تم الهجوم على عناصر الحرية والتغيير التي شاركت في تلك المواكب من قبل الثوار ولجان المقاومة والبعض هتف ضدهم .. وحاكموا من خرج منهم في تلك المواكب في الشوارع والميادين نقدا وقدحا وزما .. فظلوا في موقف المدافع .. هذا التعنت من قبل الحرية والتغيير المجلس المركزي وعدم استجابتها لمبادرة رئيس الوزراء الأخيرة ثم وضوح إنعزالها النسبي عن تطلعات الجماهير والذي تم التعبير عنه في تلك المواكب .. كل هذه المعطيات وفق قراءتي الشخصية هي التي اغرت العسكر للإقدام على تنفيذ انقلابهم .. والذي كان قد حذر منه السيد رئيس الوزراء في خطابه خارطة الطريق المذكور آنفا حيث قال فيه (انبه لخطورة اتخاذ اي خطوة من طرف واحد) وكان واضحا انه يقصد الجيش والدعم السريع .. مخرجات ذلك الاجتماع عمقت الأزمة وصعبت المهمة لرئيس الوزراء السيد عبد الله حمدوك .. وفي تقديري كانت مسببا اضافيا لمسببات انقلاب ٢٥ اكتوبر وما تلى ذلك من تحولات وتبدلات في موازين القوى وبالتالي في المواقف حتى الوصول للاتفاق الاطاري ومايخص معضلته الرئيسة .. الملف الأمني والسقف الزمني لدمج قوات الدعم السريع .. ثم وقوع الانفجار الذي ظل يحذر منه ومن خطورة نتائجه على الدوام السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ..
في ذاك الاجتماع المفصلي يوم الاثنين الثامن عشر من اكتوبر عام ٢٠٢١ والذي عقدته الحرية والتغيير المجلس المركزي بمقر المجلس التشريعي لولاية الخرطوم الكائن بشارع الجمهورية والذي شاركت فيه عن حزب تجمع الوسط .. كنت انا الصوت الوحيد على الإطلاق الذي نبه لخطورة تجاهل إشارات وانذارات وتحذيرات السيد رئيس الوزراء ولخطورة القيام بخطوات تؤدي لإفشال مجهوداته التي تهدف لنزع فتيل الأزمة وتجنيب البلاد الويلات الوشيكة .. وقلت في ذلك الإجتماع بالنص (ان رئيس الوزراء السيد عبدالله حمدوك هو ممثلنا في القوى المدنية ونحن من دفعنا به لهذا المنصب لثقتنا في الرجل وفي خبراته وقدراته فينبغي علينا نحن ان ندعمه .. ونحن كحرية وتغيير الجسم المدني الأولى بإنجاح خطط وبرامج ممثلنا في حكومة الانتقال لا ان نكون اول من يسعى لتخذيله وافشال مبادراته والتي يطرحها الرجل بالضرورة من واقع معرفته الدقيقه لما وراء المعلن ومعرفته بالمسكوت عنه في ثنايا وتلافيف الاختلاف بحكم موقعه وخبراته وكذلك قدراته الشخصية ومعرفته لما يمكن ان يكون كامنا وراء هذه التناقضات) .. قلت هذا في ذلك الإجتماع المفصلي ولكن لم يعر احد اهتماما لحديثي فقد كنت الصوت الوحيد .. فقط اكتفت المنصة بأن قاطعتني وقالت لي شكرا .. واستمر المجتمعون في تداولهم حول ذات الفكرة توطئة لبيانهم الرافض للمبادرة .. حيث جاء الرفض بشكل ضمني دون التصريح به ولكن كانت النتيجة واحدة .. لم تسم الحرية والتغيير المجلس المركزي ممثليها في خلية الأزمة …
ياسر عرمان لا يتباكى الآن على الوضع الذي ساهم في تهيئة مناخه وفرش ارضيته بحماس واندفاع وغياب رشد .. صفات هي من سمات مستجدي السياسة أو من هم بالفعل في روضة سياسة ..
اقول ذلك متأسفا لما كنت اظنه في الرجل وماكنت اعتقده فيه من كياسة ودبلوماسية وبعد نظر .. صفات افترضت انه بالضرورة يكون قد اكتسبها بطول النضال معارضا سياسيا وعسكريا ثم مفاوضا وعضوا بالبرلمان بل ورئيس لجنة فيه ..
في ذلك الإجتماع خاب ظني في السيد ياسر عرمان وفي كل القوى السياسية التي ظلت تتصدر المشهد منذ ذلك الحين وحتى الآن ..
ومنذ ذلك اليوم الثامن عشر من اكتوبر من العام ٢٠٢١ ظللت اترقب واتوقع واتحسب لماحدث بالفعل في الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣
حسين آدم ابو نفيسة
هذا زمان وذاك زمان
