في الوقت الذي يعيش فيه آلاف السودانيين في ليبيا أوضاعاً إنسانية وقانونية غاية في الصعوبة، تتوارى السفارة السودانية في طرابلس عن أداء دورها الأساسي، مكتفية بلقاءات شرفية لا تُثمر حلولاً حقيقية ولا تُحدث أثراً ملموساً في حياة الناس.
السفير إبراهيم محمد أحمد وأركان حربه في السفارة يبدو أنهم يمارسون دورًا بروتوكولياً فقط، بعيداً كل البعد عن واقع الجالية السودانية، التي تواجه أزمات متراكمة تحتاج إلى تحرّك دبلوماسي جاد، لا إلى تصريحات إعلامية أو اجتماعات شكلية. وما تحقق حتى الآن من مكاسب أو تسهيلات لصالح السودانيين في ليبيا جاء أساسًا بمبادرات من السلطات الليبية نفسها، وليس نتيجة جهد دبلوماسي سوداني فاعل.
* لاجئون بلا عودة.. ومواطنون بلا أوراق.
عشرات الآلاف من السودانيين، من لاجئين ومهاجرين، ينتظرون رحلات العودة الطوعية إلى وطنهم، لكن لا مجيب، نداءاتهم تذهب أدراج الرياح، وسط تجاهل تام من السفارة. أما من يعيشون في مدن مثل الكفرة واجدابيا وطرابلس وما حولها، فهم يواجهون ظروفًا معيشية قاسية دون أدنى دعم أو رعاية من الجهة التي يُفترض أنها تمثلهم.
الأزمة الأكبر تتمثل في شُح الخدمات القنصلية، فمقر السفارة في طرابلس هو المنفذ الوحيد لاستخراج الجوازات، في ظل غياب تام للقنصليات في المدن الأخرى مثل بنغازي. والأسوأ من ذلك أن رسوم استخراج أو تجديد الجواز تصل إلى نحو 1200 دينار ليبي، أي ما يعادل قرابة نصف مليون جنيه سوداني، وهو مبلغ باهظ لا يتناسب مع واقع معظم السودانيين هناك.
وقد ظل الكثيرون لأشهر طويلة ينتظرون إرسال بعثة من وزارة الداخلية لتوفيق أوضاعهم، خاصة ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية، الأمر الذي عطّل حياتهم تمامًا: لا إقامة، لا سفر، ولا إمكانية للالتحاق بالتعليم أو تلقي الرعاية الصحية.
* سياسة الأبواب المغلقة
ما يزيد من حالة الاستياء هو أسلوب تعامل البعثة الدبلوماسية، التي تبدو وكأنها تتبنى سياسة “الأبواب المغلقة”، متوجسة من الإعلاميين، ومتجنبة الحديث عن الأوضاع الراهنة، وكأنها لا تريد أن تُسأل أو تُحاسب. هذا السلوك يثير تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت هناك أمور يتم إخفاؤها، أم أن حالة اللامبالاة وصلت إلى هذا الحد من الجفاء وعدم المسؤولية.
* دعوة عاجلة إلى تصحيح المسار
الجالية السودانية في ليبيا لا تطلب المستحيل، بل تسعى فقط إلى الحد الأدنى من الاهتمام والرعاية، وتنتظر أن تتحمل السفارة مسؤولياتها كاملة، عبر تحركات ملموسة لتسهيل الإجراءات، وخفض الرسوم، وتوفير خدمات قنصلية متاحة للجميع، خصوصًا في المدن البعيدة. كما أن على السفارة التنسيق مع السلطات الليبية لمراجعة أوضاع المهاجرين العالقين في مراكز الإيواء، والعمل على إيجاد حلول إنسانية عاجلة.
في النهاية، السفارة ليست منصباً شرفياً ولا موقعاً للعلاقات العامة، بل هي واجهة الدولة ومسؤوليتها الأخلاقية تجاه مواطنيها، ولا بد من مساءلة من لا ينهض بهذا الدور، قبل أن يزداد الغضب ويتحول الاستياء إلى فقدان ثقة كامل بالدولة وممثليها في الخارج.
