بروفيسور صلاح محمد إبراهيمالبرهان و بن زايد بداية جديدة لمسيرة مشتركة

ليس مهماً من بدأ الاتصال في المحادثة الهاتفية التي تمت بين كل من الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة وصاحب السمو الشيخ محد بن زايد( بوخالد ) رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن الأهم أنها فتحت الباب لمعالجة الخلافات بين البلدين بطريقة مباشرة على مستوى القمة بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الأثيوبي إلى السودان، ولكن كان من الأوفق أن يخرج بيان متفق عليه على هذا المستوى من الاتصال الرفيع .
عودة التواصل المباشربين بين القيادتين تعيد إلى الذاكرة العلاقات المتميزة والقوية التي كانت بين كل من الرئيس جعفر نميري والشيخ زايد بن سلطان في بداية تأسيس دولة الإمارات في بداية السبعينيات ،وهي علاقة كانت بين قائد عسكري ورئيس دول الإمارات شهدت العصر الذهبي لتلك العلاقة، عصر علي شمو أول وكيل للاعلام في دولة الإمارات ، وعصر مدراء البلديات من السودانيين كمال حمزة في دبي وأحمد عوض الكريم في أبوظبي، عصر كبار المستشارين القانونيين للشيخ زايد الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولى للإتحاد من امثال صالح فرح عبد الرحمن ، والسودانيين الذين كان لهم دور في بداية العمران في أبوظبي من امثال جابر أبو العز ، الاَن من المؤكد أن الخلفية العسكرية لكل من البرهان ومحمد بن زايد سوف تلعب دوراً كبيراً في تفهم الطرفين لطبيعة الحرب التي تجري في السودان بحكم أن المشكلة الرئيسية الاَن هي مىشكلة عسكرية وهي كيفية إيقاف الحرب التي بالتأكيد لها أسبابها السياسية ، ولكن ليس هذا هو وقت السياسية في السودان.
العلاقات الدولية والاقليمية تقوم على تبادل المصالح مع تجنب التدخل في الشئون الداخلية سواء كانت سياسية أو غيرها ، ولعل السؤال الذي يجب طرحه إذا ما قدر لهذا التواصل أن يستمر في لقاءات جديدة سواء على مستوى القمة أو بين خبراء في أديس أبابا أو غيرها أنه يجب أن يركز على الإجابة على السؤال الجوهري وهو:
ماذا يريد السودان من الإمارات العربية المتحدة، وماذا تريد الإمارات من السودان في اطار تبادل المصالح بين دولتين عربيتين شقيقتين ؟
وهو سؤال لا يحتاج إلى عبقرية أو العثور على إجابة عليه ، فقد ظلت هذه العلاقات تقوم منذ حياة المغفور له الشيخ زايد على المصالح المشتركة في ظل السياسة الحكيمة لكل من الشيخ زايد والرئيس النميري واستمرت كذلك عبر السنوات مع وصول محمد بن زايد الى رئاسة دولة الإمارات في عام 2004 بعد وفاة الشيخ زايد، وهي فترة ليست بالقصيرة وتعني أن هناك أسس راسخة يمكن البناء عليها بغض النظر عن أختلاف وعدم استقرار نظم الحكم في السودان .
في عهد الشيخ محمد بن زايد توسعت دولة الإمارات في سياستها الخارجية التي كانت تعتمد في عهد الشيخ زايد على المساهمة في دعم المواقف العربية المشتركة والقضية الفلسطينية والمساعدة في التنمية والعمران في مختلف أرجاء العالم العربي، وكانت أيدي الشيخ زايد ممدودة بالخير لكل شعوب الدول العربية والاسلامية والشعوب المحبة للسلام، التحول الذي حدث في عهد الشيخ محمد بن زايد كان هدفة جعل الإمارات عنصراً فاعلاً في العلاقات الدولية والاقليمية لمواجهة التحديات الجديدة المقلقة في العالم مثل مكافحة الارهاب والتطرف والتعامل مع عصر العولمة والتكنواجيا والقرية الكونية التي تتطلب التعامل الايجابي وليس السكون ، والتعامل مع القضايا الجديدة مثل أزمة المناخ والطافة المتجددة وعصر الفضاء ، وكل ذلك ظهر بصورة واضحة في تطلع الإمارات في المشاركة في مشروعات عالمية مثل موانىء دوبي العالمية والاستثمار في المشروعات الاقتصادية الكبرى في مجال الزراعة والصناعة والتجارة وهي طموحات مشروعة.
لاشك السودان يقع ضمن دائرة اهتمام الإمارات في هذا التمدد العالمي وهو أمر ليس جديداً فقد بدأ من خلال مساهمة الإمارات في العديد من المشروعات في السودان مثل القطاع المصرفي والعمراني والصناعي والتجاري ولا بأس من أن يستفيد السودان من رأس المال الإماراتي في كل المجالات عبر القنوات الرسمية للدولة وهو أمر مرحب به .
في السنوات الأخيرة ظهرت لدي الإمارات مخاوف ذات أبعاد سياسية تجاه بعض القوى السياسية في السودان وقد تسبب ذلك في توتر خفي خلال الفترة الأخيرة من حكم الانقاذ ، وبعد حركة ديسمبر 2018 ، كانت الإمارات نشطة في محاولات تسوية الخلافات بين القوى السياسية بعد ديسمبر 2018 وهذا الموقف الإماراتي شكلته ضبابية الأوضاع السياسية في السودان وتوتر العلاقة بين العسكريين وبعض القوى المدنية الذي انتهى بالخلافات حول الإطاري وتفاصيلة ووضع الدعم السريع الذي أصبح أقرب إلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بينما تم تصنيف الكتلة المؤيدة للقوات المسلحة بأنها أقرب إلى الإسلاميين .
لابد للاتصال الأخير بين كل من البرهان وبن زايد أن يكون بداية لصفحة جديدة بعيداً عن كل الأبعاد السياسية للأزمة السودانية، وأن تركز المشاورات في كيفية أنهاء الحرب والمحافظة على المؤسسات الوطنية كما جاء في القمتين العرببيتين الأخيرتين في الرياض والمنامة. الأوضاع السياسية في السودان في ظل الأحزاب السياسية المختلفة التي تنشط خارج السودان وداخله الاَن لن تساهم في حل الآزمة خاصة الشق العسكري منها وهو الأهم ، فكل من البرهان ومحمد بن زايد قائدين عسكريين من السهل العثور على لغة مشترمة بينهما.
ما رشح عن المحاثة الهاتقية دون الدخول في تفاصيل التسريبات أن الحديث كان صريحاً من جنب البرهان وأن بن زايد عبر عن دعم السودان، وهو أمر ليس صعباً بالنسبة للإمارات وهو مواصلة لدور كانت تقوم به في إطار المصالح السودانية والرغبة في جذب رؤوس الأموال من مختلف الدول .
يعتمد مستقبل اللقاء بين كل من البرهان وبن زايد على عدم الوقوع في شرك مناقشة أية أجندة سياسية كما ذكرت، فلا القوى المدنية السودانية مستعدة لحوار إيجابي أو حتى حكم ديمقراطي ( 70 حزب وحركة مسلحة وغيرها)، ولا الشعب السوداني يمكن أن ينتظر سنوات لمزيد من المكايدات السياسية وخلافات الأحزاب وصراع حول ( اطاري ) جديد بعد هذه الحرب المدمرة . أسرع طريق لنجاح اللقاء بين الرئيسيين هو التركيز على ايقاف الحرب ومعالجة أوضاع الذين يحملون السلاح من السودانيين ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية الوطينة حتى يصبح السودان دولة خالية من التفلتات والنواعات المسلحة ، وصولاً بعد فترة إلى انتخابات .