في ضوء الإعلان الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن قبولها النظر في الدعوى المقدمة من حكومة السودان ضد دولة الإمارات، أود أن أتقدم لكم بوجهة النظر القانونية حول هذه الدعوى، متناولًا الأطر القانونية التي تحكمها، والوقائع ذات الصلة، والآثار المحتملة لهذا النزاع أمام المحكمة. إن هذه القضية تمثل اختبارًا مهمًا للالتزامات الدولية المتعلقة بمنع جريمة الإبادة الجماعية، كما أنها قد تساهم في تطوير المبادئ القانونية التي تحكم مسؤولية الدول عن دعم أطراف متورطة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي.
يعد تحريك الدعوى من قبل السودان أمام محكمة العدل الدولية خطوة قانونية ذات دلالة كبيرة، إذ تستند إلى اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، وهي إحدى أهم الاتفاقيات الدولية التي تلزم الدول الأطراف بمنع هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها.
التوضيحات القانونية والإجرائية:
طبيعة محكمة العدل الدولية تكمن في كونها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالنظر في النزاعات بين الدول، وليس الأفراد أو المنظمات. وبالتالي، فإن هذه الدعوى تعني تحميل دولة الإمارات مسؤولية قانونية عن أفعال مزعومة لقوات غير تابعة لها رسميًا، مما يفتح الباب لنقاش قانوني معقد حول المسؤولية غير المباشرة للدول عن أفعال أطراف أخرى.
بعد قبول المحكمة النظر في القضية، يتم تحديد جلسات علنية، كما تم الإعلان عن جلسة العاشر من أبريل ٢٠٢٥، حيث سيتم الاستماع إلى الأدلة القانونية التي يقدمها السودان لدعم دعواه ضد الإمارات. وتشمل هذه الأدلة الوثائق والمستندات الرسمية، مثل التقارير الصادرة عن الجهات الحكومية السودانية أو المنظمات الدولية التي توثق الانتهاكات المزعومة، إضافة إلى الشهادات والإفادات من شهود عيان أو خبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان، والبيانات التقنية والمراسلات التي قد تتضمن رسائل إلكترونية أو تقارير استخباراتية أو بيانات حول الدعم المالي أو العسكري المزعوم.
تركز الدعوى السودانية على مزاعم انتهاكات ضد مجموعة المساليت في غرب دارفور، من خلال أفعال منسوبة لقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها. ويتهم السودان الإمارات بدعم هذه القوات، وهو ما إن ثبت، فقد يشكل انتهاكًا لالتزامات الإمارات الدولية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
السوابق القضائية:
في قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا عام ٢٠٠٧، قررت محكمة العدل الدولية أن صربيا لم ترتكب إبادة جماعية مباشرة في البوسنة، لكنها فشلت في منعها ومعاقبة مرتكبيها، مما اعتبر انتهاكًا لاتفاقية الإبادة الجماعية. أما في قضية غامبيا ضد ميانمار عام ٢٠١٩، فقد رفعت غامبيا دعوى تتهم ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد أقلية الروهينغا، وأصدرت المحكمة أوامر مؤقتة تلزم ميانمار باتخاذ تدابير لحماية حقوق هذه الأقلية. كما شهدت قضية أوكرانيا ضد روسيا عام ٢٠٢٢ اتهام أوكرانيا لروسيا بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال غزوها، وطالبت المحكمة بوقف العمليات العسكرية الروسية.
رأي محكمة العدل الدولية:
في القضايا السابقة، أبدت المحكمة موقفًا صارمًا تجاه التزامات الدول بعدم دعم أو التورط في الإبادة الجماعية، وأصدرت أوامر مؤقتة في بعض الحالات، لكنها تشدد على ضرورة تقديم أدلة قوية لإثبات مسؤولية الدولة المدعى عليها.
النتائج المحتملة:
في حال أيدت المحكمة ادعاءات السودان، فقد تصدر أوامر قضائية تلزم الإمارات بوقف دعمها لتلك القوات، أو دفع تعويضات. أما إذا لم تجد المحكمة أدلة كافية، فقد ترفض الدعوى أو تطلب المزيد من المرافعات والأدلة.
الخلاصة:
يمثل هذا النزاع اختبارًا قانونيًا وسياسيًا مهمًا، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المحيطة بالسودان، وسيكون لمجريات القضية تأثير مباشر على العلاقات الثنائية بين الدولتين، فضلاً عن التداعيات القانونية المحتملة التي قد تحدد سابقة في قضايا تحميل الدول مسؤولية دعم أطراف في نزاعات داخلية.
المستشار القانوني الطيب مضوي شيقوق _ يكتب _ الإمارات..الأطر القانونية والنتائج المحتملة
