???مهما كان ما يعانيه المواطن السوداني من ويلات هذه الحرب .. فإنه لن يعادل معشار ما يكابده منسوبي القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بمختلف رتبهم ومستوياتهم القيادية ، وكلهم لهم أهلون قد عضَّتهم الحرب بنابها فأضرَّت بهم كما فعلت ببقية الشعب السوداني ، وحيث أمكن للكثيرين من أبناء الشعب توفيق أوضاع عائلاتهم وأهليهم داخل أو خارج السودان ، فإن منسوبي القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى قد حرمهم واجب القتال والمرابطة عن ترتيب أحوال عائلاتهم ، ورغم أن منازلهم وعائلاتهم -كانوا ولازالوا- على رأس قوائم الاستهداف من المليشيا وعملائها في قحت ، غير أن ذلك لم يمنعهم أن يلزموا خنادقهم وبنادقهم دفاعاً عن الوطن وأهله ، وأن يستودعوا الله عائلاتهم ، وما كان حسب هذه العائلات المُستهدفة إلا الله ثم بقيَّةٌ من الأهل وذوي المروءة في أوقاتٍ زُلزِلت فيها القلوب وزاغت فيها الأبصار ، ثم كان أبطال السودان -كالعهد بهم دائماً- نبراساً للفداء والتضحية والبسالة والتجرُّد ، فما سُمِعت لهم شكوى شخصية ، وما فترت لهم هِمَّة ، ولا لانت لهم قناة.
???بين الفينة والأخرى ، وحسب ما تسنح به فرصة .. يُطل علينا جُنديٌّ لا يكاد راتبه -في أفضل حالات الرخاء- يكفي عائلته قوت يومهم ناهيك عن جدوى هذا الراتب في زمان الحرب والمسغبة .. لا ليُحدِّثنا عن ضيق ظروفه المعيشية أو العملية ، ولا ليشكو لنا ما فعل الزمان بعائلته ، وإنما ليُطمئِن الشعب السوداني بأنهم بنصر الله واثقون ، وعلى الزناد قابضون ، وعلى العهد باقون ، وعلى العدو ظاهرون … لعمرو الله إنها مآثرٌ ونماذجٌ تنفطر لها القلوب شجىً ووطنيةً وعشقاً لهذه البلاد التي باعها بعض أبنائها بثمنٍ بخسٍ وكانوا فيها من الزاهدين ، فناصروا كل عدوٍ للسودان ، ودعموا كل تمردٍ على القوات النظامية ، وملئوا الدنيا كذباً بأن القوات النظامية تستحوذ على ٧٠% من ميزانية البلاد ، وهتفوا ضدها بتافه السُّباب ، وأجلبوا عليها كل افتراءٍ وتلفيق ، واستماتوا في السعي لتفكيك هذه القوات وتذويبها ، واليوم قد خلعوا كل قناع وتجردوا من كل ستر وأناخوا بعارهم في حِجر مغتصِبي الأعراض.
???لا عجب أن أساطيرنا في السودان ليس بها سوبرمان وسبايدرمان ، فما حوجتنا لأبطال الخرافات وفي قواتنا مئات الآلاف من الغطارفة الكواسر ، وفي شعبنا الملايين من العمالقة البواسل ، ولا غرو أن احتدام الخطوب وتزايد الكروب لا يعدو أن يكون عاجل بشارات الفتح ، فأحلك ساعات الليل تلك التي تسبق انبلاج الفجر ، وأعسر ساعات الحرب تلك تسبق انبثاق النصر ، وقد أساء الظن بالله من خطر في نفسه أن النصر على هؤلاء القتلة الفجرة بعيد ، وفرسان السودان المُتمرسِّون في غمرات الحروب ، والمُؤيَّدون بقوة الحق ومناصرة الشعب .. لا يعوزهم الصبر والمصابرة ، بقدر ما يعوزهم العزم والتصميم العملي من القيادة السياسية بالاستخدام الفوري والعاجل لكل قوى الدولة الشاملة لهزيمة مشروع المليشيا الاستئصالي والمهدد لوجود البلاد وشعبها.
???في كل ساعةٍ تقترب لحظة النصر لقواتنا والهزيمة لأعداء السودان ، فما أكثر الذين يُكشف عنهم غطاء الغفلة في كل يومٍ فيلتحقون بمواكب الوطن ، وما أوشك نكوص شيطان الإمارات على عقبيه عن عملائه إذ بات يرى ما لا يرون من انقلاب دائرة الرأي العام العالمي والعربي والخليجي عليه ، وحسرته على أموالٍ أنفقها وأضعافٍ غيرها سيُنفقها ، ولا بصيص أمل له في أن تحكم حفنة عملائه هذا الشعب الأبيّ … ولله ما أزكى هذه الملحمة الوطنية التي جمعت كل أبناء السودان بمختلف ألوانهم وأطيافهم وقبائلهم وولاياتهم في خندق الدفاع عن وجودهم وكرامتهم ، ولله ما أروع ما يسطرونه من البطولات والمآثر في كل حينٍ وآن ، وقد أصبح الكثيرون بفضل الله يستشرفون الخير الذي سيعقب مكاره القتال ، ويلمحون رايات النصر تخفق من قريب.
*أناديكم ..*
*أشُدُّ على أياديكم ..*
*وأبوس الأرض تحت نعالكم*
*وأقول: أفديكم*
*وأهديكم ضيا عيني*
*ودفئ القلب أعطيكم*
*فمأساتي التي أحيا*
*نصيبي من مآسيكم*
*أناديكم .. أناديكم*