السفير.د.معاوية التومالمصالح العليا للسودان: نداء العقل لقادة البلاد قبل فوات الأوان!؟

مقدمة:
في خضم الحرب المدمرة التي تعصف بالسودان، وفي زمن تتشظى فيه الجغرافيا وتُستباح السيادة وتُنهك المؤسسات، على ما لازمها من خراب وجرائم دامية . تبرز الحاجة العاجلة إلى استدعاء مفهوم المصالح العليا للدولة كمرجعية وطنية فوق الانقسامات والصراعات. فحين تسقط الدول، لا يعود الخطر على السلطة أو المعارضة، بل على الوطن نفسه. والسودان، اليوم، يقف على حافة هذا الخطر الوجودي الذي بتهددنا ويوجب على كل سوداني غيور العمل على تداركه وهو أمر مقدور و بملك ايدينا.
أولًا: ما هي المصالح العليا للسودان اليوم
ليست المصالح العليا مفهوماً نظرياً، ولا قالبا أو شعاراً سياسياً مرناً يتلاعب به من يشاء. إنها جملة الثوابت الوطنية على مر التاريخ والأنظمة، والتي يجب ألا يختلف عليها اثنان، ولا تخضع لحسابات اللحظة وحظ النفس والهوى أو مناورات التفاوض في الأوضاع الاستثنائية . وتشمل، في الحالة السودانية:
• وحدة السودان أرضًا وشعبًا ودولة: منع تفتيت الدولة السودانية إلى كيانات جهوية أو إثنية.
• استعادة السيادة الوطنية: ورفض الإملاء وأن تكون القرارات السودانية تُصاغ في عواصم الإقليم أو مقار المخابرات.
• حماية النسيج الاجتماعي: وتجنيب المجتمع حربًا أهلية شاملة تهدد وجوده.
• وقف التآمر الخارجي وإرساء سلام عادل: لا استسلام فيه للميليشيات، ولا إقصاء فيه لأي مكوّن وطني، ولا ارتهان فيه لأجنبي ولا خيار يفرض فوق مصلحتنا الوطنية.
• الحفاظ على الموارد الوطنية: الطبيعية والمعدنية من الذهب إلى النفط إلى الأراضي، والمواني ومنع بيعها أو نهبها تحت غطاء الاستثمارات أو الصفقات السياسية المشبوهة.
• بناء مؤسسات وطنية مستقلة: قادرة على حماية الدولة من التدخلات، وتقديم الخدمات لمواطنيها.
ثانيًا: المصالح العليا ليست ملكًا لفئة أو جهة
الخلط بين مصالح الدولة ومصالح السلطة أو المعارضة هو الخطر الداهم الأكبر الذي أودى بدول من قبلنا. فحين تُختزل الدولة في شخص، أو حزب، أو جماعة مسلحة، تبدأ النكسة و رحلة الانهيار.
إن من يعتقد أن حماية مقعده أهم من حماية وطنه، لا يستحق القيادة. ومن يقايض وحدة البلاد بصفقة إقليمية أو موقع تفاوضي عابر ، إنما يفرّط في الدم الذي سال والعرض الذي انتهك قسرا ، من أجل هذا الوطن.
ثالثًا: تجارب الأمم من حولنا… هل من مُعتبر؟
• العراق دفع ثمن تغييب مصالحه العليا، حين تحولت قراراته إلى رهينة بيد الخارج، فانقسم المجتمع، وانهارت الدولة، وأُفرغت مؤسساتها لصالح المليشيات.
• ليبيا تُدار اليوم في ساحات صراع إقليمي ودولي لأن نُخبها السياسية لم تعرف او تضع خطًا أحمراً اسمه “المصلحة الوطنية العليا”.
• رواندا، بالمقابل، نهضت من واحدة من أبشع المجازر في التاريخ، لأنها قررت أن تضع “المصالح العليا للدولة” فوق الجراح والمظالم، فبنت دولة حديثة تنهض على العدل والمحاسبة والوحدة. وجنوب إفريقيا نهضت من تحت نظام عنصري بغيض ومرارات وخيمة فوقفت وقوي عودتها وبنت دولة ذات شأن الان.
فهل يتّعظ السودان؟ وهل نملك من الشجاعة و الحكمة ما يجعلنا نقطع الطريق على تكرار المأساة واستنساخ الفشل والحروب العابرة للحدود، وقدرة على استعادة أمجاد البلاد!؟
رابعًا: على القيادة أن تسمع نداء التاريخ
لا شيء يُعفي القيادة السودانية – عسكرية أو مدنية، سياسية قائمة أو محتملة – من مسؤولية الحفاظ على المصالح العليا للوطن. لا الحجة الأمنية، ولا الضغوط الخارجية، ولا الحسابات الفئوية، او التقديرات القاصرة.
هذه لحظة فاصلة؛ فإما أن يُسجّل القادة أسماؤهم في صفحات النجاة، أو يُكتبوا في قائمة من فرّطوا في وطنهم.
إن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.والمواقف الوطنية تكتب بالبطولات والملاحم والتضحيات الجسام ، ونبل المقصد في بناء الدولة التي ننشد.
خامسًا: مطلوب “عقد وطني جامع” يُعلّق في رقبة كل قائد

الحل ليس في البيانات، ولا في مسارات تفاوضية تُدار خلف الأبواب المغلقة، بل في عقد وطني جامع، تُعلن فيه المصالح العليا للسودان كخطوط حمراء غير قابلة للمساس و للنيل ، وتلتزم بها كل القوى: السياسية، والعسكرية، والمدنية، والدينية والأهلية .
عقد يقول:
• لا للتفريط في السيادة الوطنية .
• نعم للسلام ولا للتمترس في خنادق الحرب.ولكن ان كتبت وفرضت يجب خوضها حتى النصر.
• لا للمحاور الخارجية على حساب الوطن.
• لا للفساد السياسي والاقتصادي باسم الثورة أو الشرعية والمحاصصات.
خاتمة:
المصالح العليا للسودان اليوم، ليست مجرد ورقة تفاوض أو بند في إعلان سياسي. إنها نداء بقاء، وصيحة إنذار، وصوت الشعب المكتوي بنار الحرب والمآسي والجوع والتشريد. فإما أن يسمع القادة هذا النداء، فينهضوا لمستوى المسؤولية، أو يُترك الوطن فريسة لمن لا يعرفون له قيمة ولا كرامة ولا يأبهون لمصاب ولا يألمون لصرخة، ولا في جرابهم حلول سوى الإطاري..
السودان أغلى من الجميع، وأكبر من أي طرف. او مجموعة او قبيلة و اثتية او جهوية او مناطقية فلنحافظ عليه… قبل أن نتباكى على وطنٍ لن نجده غدًا. “فالمصالح العليا للدولة السودانية ” امام اختبار حقيقي في هذا الظرف التاريخي ، وتتعرض لمؤامرة كونية كبيرة في غاية الخطورة، يجب ان نستنهض لاجلها الهمم، وتوضع القيادة والنخب السياسية والمجتمعية أمام مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية والتأريخية. وليس من بين صفوف جيشنا وحماة عرينه خائن او قلب وجل او يد ترتجف لتوقع على وصفة او صفقة تآمرية لم تاتي عبر بوابة الدولة ولا تحمي وتصون مصالح بلادنا وامتنا وأمننا القومي وسيادتنا. هذه التوجهات الماضية لا تتسق مع مصلحة البلاد، ولا تابه بانتصارات الشعب التي تحققت ، وترمي فقط لاستدامة ازماتنا وإطالة أمد الحرب!؟.

٢٧ يوليو ٢٠٢٥م